والسّائبة : يشربها الرّجال دون النّساء ، فظنّ بعض المفسّرين أنّ المراد بما في بطون الأنعام ألبانها ، وروي عن ابن عبّاس ، ولا ينبغي أن يكون هو معنى الآية ولكن محمل كلام ابن عبّاس أنّ ما في البطون يشمل الألبان لأنّها تابعة للأجنّة وناشئة عن ولادتها.
والخالصة : السّائغة ، أي المباحة ، أي لا شائبة حرج فيها ، أي في أكلها ، ويقابله قوله : (وَمُحَرَّمٌ).
وتأنيث (خالِصَةٌ) لأنّ المراد بما الموصولة الأجنة فروعي معنى (ما) وروعي لفظ (ما) في تذكير (محرّم).
والمحرّم : الممنوع ، أي ممنوع أكله ، فإسناد الخلوص والتّحريم إلى الذّوات بتأويل تحريم ما تقصد له وهو الأكل أو هو والشرب بدلالة الاقتضاء.
والأزواج جمع زوج ، وهو وصف للشّيء الثّاني لغيره ، فكلّ واحد من شيئين اثنين هو زوج ، ولذلك سمّي حليل المرأة زوجا وسمّيت المرأة حليلة الرّجل زوجا ، وهو وصف يلازم حالة واحدة فلا يؤنث ولا يثنّى ولا يجمع. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) في سورة البقرة [٣٥].
وظاهر الآية أن المراد أنّه محرّم على النساء المتزوّجات لأنّهم سمّوهنّ أزواجا ، وأضافوهنّ إلى ضميرهم ، فتعيّن أنّهن النّساء المتزوّجات بهم كما يقال : امرأة فلان. وإذا حملناه على الظاهر ـ وهو الأولى عندي ـ كان ذلك دالا على أنّهم كانوا يتشاءمون بأكل الزّوجات لشيء ذي صفة كانوا يكرهون أن تصيب نساءهم : مثل العقم ، أو سوء المعاشرة مع الأزواج ، والنّشوز ، أو الفراق ، أو غير ذلك من أوهام أهل الجاهليّة وتكاذيبهم ، أو لأنّه نتاج أنعام مقدّسة ، فلا تحلّ للنّساء ، لأنّ المرأة مرموقة عند القدماء قبل الإسلام بالنّجاسة والخباثة ، لأجل الحيض ونحو ذلك ، فقد كانت بنو إسرائيل يمنعون النّساء دخول المساجد ، وكان العرب لا يؤاكلون الحائض ، وقالت كبشة بنت معديكرب تعيّر قومها :
ولا تشربوا إلّا فضول نسائكم |
|
إذا ارتملت أعقابهن من الدّم |
وقال جمهور المفسّرين : أطلق الأزواج على النّساء مطلقا ، أي فهو مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق والتّقييد ، فيشمل المرأة الأيّم ولا يشمل البنات ، وقال بعضهم : أريد به البنات أي بمجاز الأول فلعلّهم كانوا يتشاءمون بأكل البنات منه أن يصيبهن عسر التّزوّج ، أو ما يتعيّرون منه ، أو نحو ذلك. وكانت الأحوال الشّائعة بينهم دالّة على المراد.