وقدم الأمر بالتقوى ، لأنها جامع الطاعات.
وعطف الأمر بإصلاح ذات البين ، لأنهم اختصموا واشتجروا في شأنها كما قال عبادة بن الصامت : «اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا» فأمرهم الله بالتصافح ، وختم بالأمر بالطاعة ، والمراد بها هنا الرضى بما قسم الله ورسوله أي الطاعة التامة كما قال تعالى (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) [النساء : ٦٥].
والإصلاح : جعل الشيء صالحا ، وهو مؤذن بأنه كان غير صالح ، فالأمر بالإصلاح دل على فساد ذات بينهم ، وهو فساد التنازع والتظالم.
و (ذاتَ) يجوز أن تكون مؤنث (ذو) الذي هو بمعنى صاحب فتكون ألفها مبدلة من الواو. ووقع في كلامهم مضافا إلى الجهات وإلى الأزمان وإلى غيرهما ، يجرونه مجرى الصفة لموصوف يدل عليه السياق كقوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) في سورة الكهف [١٨] ، على تأويل جهة ، وتقول : لقيته ذات ليلة ، ولقيته ذات صباح ، على تأويل المقدر ساعة أو وقت ، وجرت مجرى المثل في ملازمتها هذا الاستعمال ، ويجوز أن تكون (ذات) أصلية الألف كما يقال : أنا أعرف ذات فلان ، فالمعنى حقيقة الشيء وماهيته ، كذا فسرها الزجاج والزمخشري ، فهو كقول ابن رواحة :
وذلك في ذات الإله وإن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزع |
فتكون كلمة مقحمة لتحقيق الحقيقة ، جعلت مقدمة ، وحقها التأخير لأنها للتأكيد مثل المعنى في قولهم : جاءني بذاته ، ومنه يقولون : ذات اليمين وذات الشمال ، قال تعالى (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
فالمعنى : أصلحوا بينكم ، ولذا ف (ذات) مفعول به على أن (بين) في الأصل ظرف فخرج عن الظرفية ، وجعل اسما متصرفا ، كما قرئ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] برفع بينكم في قراءة جماعة. فأضيفت إليه (ذات) فصار المعنى : أصلحوا حقيقة بينكم أي اجعلوا الأمر الذي يجمعكم صالحا غير فاسد ، ويجوز مع هذا أن ينزل فعل (أَصْلِحُوا) منزلة الفعل اللازم فلا يقدر له مفعول قصدا للأمر بإيجاد الصلاح لا بإصلاح شيء فاسد ، وتنصب ذات على الظرفية لإضافتها إلى ظرف المكان والتقدير : وأوجدوا الصلاح بينكم ، كما قرأنا (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] بنصب بينكم أي لقد وقع التقطيع بينكم.
وأعلم أني لم أقف على استعمال (ذات بين) في كلام العرب فأحسب أنها من