رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] ، وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة : ١٢].
وذكر الوجوه والأدبار للتعميم ، أي : يضربون جميع أجسادهم. فالأدبار : جمع دبر وهو ما دبر من الإنسان. ومنه قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)[القمر : ٤٥].
وكذلك الوجوه كناية عمّا أقبل من الإنسان ، وهذا كقول العرب : ضربته الظهر والبطن ، كناية عمّا أقبل وما أدبر أي ضربته في جميع جسده.
و «الذوق» مستعمل في مطلق الإحساس ، بعلاقة الإطلاق.
وإضافة العذاب إلى الحريق من إضافة الجنس إلى نوعه ، لبيان النوع ، أي عذابا هو الحريق ، فهي إضافة بيانية.
و (الْحَرِيقِ) هو اضطرام النار ، والمراد به جهنّم ، فلعلّ الله عجّل بأرواح هؤلاء المشركين إلى النار قبل يوم الحساب ، فالأمر مستعمل في التكوين ، أي : يذيقونهم ، أو مستعمل في التشفّي ، أو المراد بقول الملائكة (وَذُوقُوا) إنذارهم بأنّهم سيذوقونه ، وإنّما يقع الذوق يوم القيامة ، فيكون الأمر مستعملا في الإنذار كقوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [إبراهيم : ٣٠] بناء على أنّ التمتّع يؤذن بشيء سيحدث بعد التمتّع مضاد لما به التمتّع.
واسم الإشارة (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) إلى ما يشاهدونه من العذاب ، وجيء بإشارة البعيد لتعظيم ما يشاهدونه من الأهوال.
والجملة مستأنفة لقصد التنكيل والتشفّي. والباء للسببية ، وهي ، مع المجرور ، خبر عن اسم الإشارة.
و «ما» في قوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) موصولة ، ومعنى (قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أسلفته من الأعمال فيما مضى ، أي من الشرك وفروعه من الفواحش.
وذكر الأيدي استعارة مكنية بتشبيه الأعمال التي اقترفوها ، وهي ما صدق (بِما قَدَّمَتْ) بما يجتنيه المجتني من الثمر ، أو يقبضه البائع من الأثمان ، تشبيه المعقول بالمحسوس ، وذكر رديف المشبه وهو الأيدي التي هي آلة الاكتساب ، أي : بما قدّمته أيديكم لكم.