الكتاب ، قاله مجاهد.
فالذين قالوا : إنّ الضمير عائد إلى المشركين ، قالوا : كان هذا في أوّل الأمر حين قلّة المسلمين ، ثم نسخ بآية سورة براءة [٥] (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية. ومن قالوا الضمير عائد إلى أهل الكتاب قالوا هذا حكم باق ، والجنوح إلى السلم إمّا بإعطاء الجزية أو بالموادعة.
والوجه أن يعود الضمير إلى صنفي الكفار : من مشركين وأهل الكتاب ، إذ وقع قبله ذكر الذين كفروا في قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٥٥] فالمشركون من العرب لا يقبل منهم إلّا الإسلام بعد نزول آية براءة ، فهي مخصّصة العموم الذي في ضمير (جَنَحُوا) أو مبيّنة إجماله ، وليست من النسخ في شيء. قال أبو بكر بن العربي : «أما من قال إنها منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] فدعوى ، فإنّ شروط النسخ معدومة فيها كما بيّنّاه في موضعه».
وهؤلاء قد انقضى أمرهم. وأمّا المشركون من غيرهم ، والمجوس ، وأهل الكتاب ، فيجري أمر المهادنة معهم على حسب حال قوّة المسلمين ومصالحهم وأنّ الجمع بين الآيتين أولى : فإن دعوا إلى السلم قبل منهم ، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين. قال ابن العربي : فإذا كان المسلمون في قوّة ومنعة وعدّة :
فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا |
|
وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم |
وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به أو ضرّ يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دعوا إليه. قد صالح النبيصلىاللهعليهوسلم أهل خيبر ، ووادع الضمري ، وصالح أكيد ردومة ، وأهل نجران ، وهادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده».
أمّا ما همّ به النبي صلىاللهعليهوسلم من مصالحة عيينة بن حصن ، ومن معه ، على أن يعطيهم نصف ثمار المدينة فذلك قد عدل عنه النبي صلىاللهعليهوسلم بعد أن قال سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، في جماعة الأنصار : لا نعطيهم إلّا السيف.
فهذا الأمر بقبول المهادنة من المشركين اقتضاه حال المسلمين وحاجتهم إلى استجمام أمورهم وتجديد قوتهم ، ثم نسخ ذلك ، بالأمر بقتالهم المشركين حتى يؤمنوا ، في آيات السيف. قال قتادة وعكرمة : نسخت براءة كلّ مواعدة وبقي حكم التخيير بالنسبة لمن