وقعت فيه غفلات.
ويجوز أن يكون الاختلاف بين المعلل والعلة بالعموم والخصوص أي يريد الله أن يحق الحق في هذه الحادثة لأنه يريد إحقاق الحق عموما.
وأما قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) فهو ضد معنى قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) وهو من لوازم معنى ليحق الحق ، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) [الأنبياء : ١٨] ، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر. ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعمر بن أبي ربيعة : كم سنّك فقال ابن أبي ربيعة ولدت يوم مات عمر بن الخطاب ، فقال ابن عباس : «أي حق رفع وأيّ باطل وضع» أي في ذلك اليوم ، ففائدة قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) التصريح بأن الله لا يرضى بالباطل ، فكان ذكر بعد قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بمنزلة التوكيد لقوله (لِيُحِقَّ الْحَقَ) لأن ثبوت الشيء قد يؤكد بنفي ضده كقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام : ١٤٠].
ويجيء في قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) من معنى الكلام ، ومن جناس الاشتقاق ، ما جاء في قوله : (أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) ثم في مقابلة قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ ـ بقوله ـ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) محسن الطباق.
(وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) شرط اتصالي. و (لَوْ) اتصالية تدل على المبالغة في الأحوال ، وهو عطف على (يُرِيدُ اللهُ) ، أو على (لِيُحِقَّ الْحَقَ) أي يريد ذلك لذلك لا لغيره ، ولا يصد مراده ما للمعاندين من قوة بأن يكرهه المجرمون وهم المشركون.
والكراهة هنا كناية عن لوازمها وهي الاستعداد لمقاومة المراد من تلك الإرادة ، فإن المشركين ، بكثرة عددهم وعددهم ، يريدون إحقاق الباطل ، وإرادة الله تنفذ بالرغم على كراهة المجرمين ، وأمّا مجرد الكراهة فليس صالحا أن يكون غاية للمبالغة في أحوال نفوذ مراد الله تعالى إحقاق الحق : لأنه إحساس قاصر على صاحبه ، ولكنه إذا بعثه على مدافعة الأمر المكروه كانت أسباب المدافعة هي الغاية لنفوذ الأمر المكروه على الكاره.
وتقدم الكلام على (لَوِ) الاتصالية عند قوله تعالى : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في سورة آل عمران [٩١] وقوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) في سورة البقرة [١٧٠].