المرء وعزمه ، وهو إطلاق شائع في العربية.
فلما كان مضمون هذه الجملة تكملة لمضمون الجملة التي قبلها يجوز أن يكون المعنى: واعلموا أن علم الله يخلص بين المرء وعقله خلوص الحائل بين شيئين فإنه يكون شديد الاتصال بكليهما.
والمراد ب (الْمَرْءِ) عمله وتصرفاته الجسمانية.
فالمعنى : أن الله يعلم عزم المرء ونيّته قبل أن تنفعل بعزمه جوارحه ، فشبه علم الله بذلك بالحائل بين شيئين في كونه أشد اتصالا بالمحول عنه من أقرب الأشياء إليه على نحو قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
وجيء بصيغة المضارع (يَحُولُ) للدلالة على أن ذلك يتجدد ويستمر ، وهذا في معنى قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] قاله قتادة.
والمقصود من هذا تحذير المؤمنين من كل خاطر يخطر في النفوس : من التراخي في الاستجابة إلى دعوة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والتنصل منها ، أو التستر في مخالفته ، وهو معنى قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة : ٢٣٥].
وبهذا يظهر وقع قوله : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) عقبه فكان ما قبله تحذيرا وكان هو تهديدا وفي «الكشاف» ، و «ابن عطية» : قيل إن المراد الحث على المبادرة بالامتثال وعدم إرجاء ذلك إلى وقت آخر خشية أن تعترض المرء موانع من تنفيذ عزمه على الطاعة أي فيكون الكلام على حذف مضاف تقديره : إن أجل الله يحول بين المرء وقلبه ، أي بين عمله وعزمه قال تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [المنافقون : ١٠] الآية.
وهنالك أقوال أخرى للمفسرين يحتملها اللفظ ولا يساعد عليها ارتباط الكلام والذي حملنا على تفسير الآية بهذا دون ما عداه أن ليس في جملة : (أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) إلّا تعلق شأن من شئون الله بالمرء وقلبه أي جثمانه وعقله دون شيء آخر خارج عنهما ، مثل دعوة الإيمان ودعوة الكفر ، وأن كلمة (بَيْنَ) تقتضي شيئين فما يكون تحول إلّا إلى أحدهما لا إلى أمر آخر خارج عنهما كالطبائع ، فإن ذلك تحويل وليس حئولا.
وجملة : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) عطف على (أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) والضمير الواقع اسم (أن) ضمير اسم الجلالة ، وليس ضمير الشأن لعدم مناسبته ، ولإجراء أسلوب