(وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) : ما كلّفت أنت بتزكيته ، إذ لست رسولا ، ولو كنته فإذ هو لا يتزكى فسواء إنذاره وعدم إنذاره ، فليس هذا التصدي الباطل يبرره رجاء أن يتزكى ، فليس عليك بأس ألا يتزكى ، لا سيما إذا كان التصدي له بقيمة إبطال قيم الإيمان والعبس في وجه المجرب الصامد في الإيمان. أو ماذا عليك ألا يتزكى؟ ماذا يضرك بعد ألّا يهتدي رغم المحاولات في هدايته ، في حين أن العبس في وجه المؤمن هو عليك وعلى كرامة الإيمان! أو : لا يهمك انه ليس بصدد التزكي ، وإنما تهمك الظواهر المغرية! (١).
فهذه حالتك الإيجابية وجاه الطغاة الذين لا يرجى خيرهم وهواهم ، ثم سلبيتك لمن يسعى وهو يخشى.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى. وَهُوَ يَخْشى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) :
من جاءك ساعيا إلى رسول الهدى ، جاءك ليجلس مجلسك بمقربة من الرسول ، يسعى إلى الخير ليستزيد منه ، إلى منار الهدى ليستنير منه ، وإلى مدينة العلم ليستعلمه ويستقرئه.
جاء يسعى ، مسرعا في مشيه رغم عماه ، ومتسرعا إلى الاستزادة ابتغاء كل الفرص ، مطبقا أمر الله في سعيه وسرعته : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) (٣ : ١٣٣).
من جاء بهذا النمط اللطيف (وَهُوَ يَخْشى) : يخشى الوقوع على الأرض لعماه وسرعته في سعيه ، ويخشى الكفار أن يخدعوه أو يغتالوه ، ولكنه لا يبالي كل ذلك لأنه يخشى الله ، دون كبرياء واستغناء ودون أنفة ورياء ، وإنما يسعى إلى
__________________
(١) هذه احتمالات ثلاث في «ما» * أن تكون نافية أو استفهامية ، وعلى الأول أن تكون أخبارية أو تنديدية أنه لا تفرق عندك تزكيته وعدمها.