(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)
إن كون النبإ متساءلا عنه ، واختلاف المتسائلين أنفسهم ـ إنهما يوحيان بسفه التساؤل هنا وسقوطه ، فلو كانوا على بينة من نكرانه لكانوا متوافقين في مدى نكرانه .. لكنه كلا ـ إنه نبأ عظيم : خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم عظيم ، يملك من البراهين كل أنواعها : العقلية والواقعية ، الآفاقية والأنفسية.
فلقد يكفيهم اختلافهم ، ويكفيهم نصوع النبإ ، يكفيانهم لدحض افهامهم وتسفيه أحلامهم ، وهكذا إجابة في الإيحاء ، دون إدلاء بحقيقة المتساءل عنه ، تلويحا بالتهديد الملفوف ، وتوصيفا للنبأ ، إنه أوقع من الجواب المباشر ، وأعمق في التخويف وأعرق في التبكيت.
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)
إنه ليس كما يزعمون ـ فسيعلمون بعد إذ كشف الغطاء بالموت ، بعد إذ قضي على حياة الجسد. (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) في الحياة الثالثة والأخيرة ، يوم الفزع الأكبر ، يوم القيامة الكبرى ، علم ثم علم ، بعد جهل على جهل ، تجاهلا سفيها مارقا.
إن هذا الجهل أو التجاهل المتمادي سيزول قريبا بالموت ، ولا نقول : سوف يزول ، بل إنه سيزول : «سيعلمون» * إذ إن كل آت قريب ، و : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) (٧٠ : ٧) قريب في التصور ، وقريب في التصديق ، وقريب في الواقع ، وقريب في الوقوع ، رغم استبعادهم له لحد الإحالة.
فالمتسائلون هنا المستهزئون بالنبإ العظيم ، إنهم محكوم عليهم في حياة التكليف بالآيات البينات ، ومحكوم عليهم في حياة الجزاء إذ يرونهم في الأمر الواقع الذي استنكروه وتساءلوا عنه : سيعلمون بعد الموت : الحياة البرزخية ، ثم بعدها في الحياة الآخرة ، علما أوسع وأثبت منها ، كما العلم البرزخي أوسع مما في الحياة الأولى.