هذا هو الحشر بالمعنى العام : الجمع عن التوحش ، وأما فيما إذا كان الحشر إلى الله فهو الحياة بعد الموت لعامة ذوي الحياة ، ولتجزى كل نفس بما تسعى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٦ : ٣٨) .. وهذا هو الحشر بمعنى الإحياء في صيحة الإحياء ، يشمل الدواب والطير كلّها ، وحشا وسواها ، إنسانا وسواه ، وعلّ الدابة في الأرض تشمل ما تمشي عليها وما في جوفها وفي بحارها ، دبّا على الماء والأرض وفي باطن الأرض.
وفيما إذا سئلنا عن حشر الحيوان غير الإنسان : لماذا يحشر ويحيى؟ ألكي تجزى بما تسعى؟ فكيف تجزى الدابة ولا عقل لها ولا شرعة ومنهاجا؟
فهنا الجواب : أن الجزاء يعم ذوي الشعور كما تشعر ، إن عاقلة أم لا ، فإنما المدار في الجزاء معرفة الله وإمكانية معرفته ، وشعور يميز بين العدل والظلم ، كلّ على قدره ، والطير والدواب كلها تعرف الله تعالى دون تكلف واكتساب : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٢٤ : ٤١) (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١٦ : ٤٩).
ثم نراها قد تظلم وقد تظلم وهي شاعرة أنه قبيح والله لا يحب القبيح ، فلولا شعورها بالقبح فلما ذا تفر من الظلم ، أو تعضّ وتركل أو تفترس من يهاجمها من نوعها أو سواه؟
ثم الله أحل لنا أكل لحوم قسم منها ، فعليه أن يبدلها ـ بما ذبحت ـ برحمة منه في حشرها.
وقد نرى الإنسان يظلم ما يملكها فلا يؤدي حقها ، والله تعالى أعدل من أن يدرها سدى لا يقتص لها من ظالمها.