وحقائق الأعمال ، وخفيت على أنفسهم أنفسهم فهم في غمرتهم وسكرتهم يعمهون وفي غيهم يترددون .. وكان بإمكانهم أن يرووا الصحف صحفا منشورة عندهم ، رغم خفائها على من سواهم ، ولكنهم عموا وصمّوا حتى جاءهم وعد الله.
إن نشر الصحف هناك يفيد كشفها ومعرفتها فلا تعود خافية ولا غامضة وهذه العلنية الشاملة يوم المحشر أشد على إنسانها وأنكى ، فكم من سوأة يخجل صاحبها منها في نفسه ويرجف ويذوب من كشفها ، فكيف إذا رآها منشورة حاضرة مشهودة!
إن صحف الإنسان تتكشف للحجة والحساب ، وكما يتكشف الكون ، بأرضه كما عرفناه ، وبسمائه إذا كشطت : تحللت عن كونها سماء إلى ما كانت عليها من دخان : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٤ : ١١) تكشط وتتكشف لتحضير موقف الحساب ومصير أهل الحساب : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ. وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ).
فذلك يوم الكشف والكشط ، يوم ظهور الحقائق دون خفاء ، فما هو إذن كشط السماء؟
إنه من كشط الناقة ـ أي تنحية الجلد عنها ـ ومنه استعير انكشط روعه أي زال ، فكما الناقة تكشط بعد نحرها فتقطع ، كذلك السماء سوف تكشط بعد موتها في الطامة الكبرى ، ينحّى عنها جلدها وجلدها ، وينزع عنها رباطها ، وترتجع إلى ما كانت (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (٨٦ : ٩) وأنها تنشق بكشطها : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) (٨٤ : ١ ـ ٢) انشقاقا وافتراقا عن امتدادها والتئامها ، فكانت وردة كالدهان: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (٥٥ : ٣٧) واهية مسترخية: (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (٦٩ : ١٦) ويومئذ تتساقط وتنتثر أولادها من حجرها وتفرج : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) (٧٧ : ٨) (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ)