(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)(٦)
خطاب جميل جليل يهز الإنسان في كيانه الإنساني إذ يستيقظ إنسانيته ، ويحرض وجدانه وشعوره ، ويدخل من قلبه شغافه ، وينبّهه أنه كإنسان ، لا يحق له الغرور بربه الكريم ، فما الذي يغره بربه ويلهيه عن خالقه؟!
يقول الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم : «غره جهله» (١) ، ويشرحه عليّ عليه السّلام : «أدحض مسئول حجة ، وأقطع مغتر معذرة ، لقد أبرح جهالة بنفسه إياه ، يا أيها الإنسان ما جرأك على ذنبك وما غرك بربك ، وما آنسك بهلكة نفسك ، أما من دائك بلول ، أم ليس من نومتك يقظة ، أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك ، فلربما ترى الضاحي من حر الشمس فتظله ، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له ، فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة ، وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته» (٢).
أجل ، وإن جهله وجهالته بربه يغره به ، أن يحسب نفسه كأنه يستقل عن الله أم يترفع عنه أو يفسق عن طاعته.
ومن الجهل غرور بعض الناس بكرم الله ، قائلين : ـ حينما يسأل أحدهم عما قصر ـ «الله كريم»! جاهلين أو متجاهلين أنه كريم عادل ، ومن عدله ثواب الصالحين وعذاب الطالحين : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) .. فأي فرق بين من يعصيه ناكرا كرمه ، ومن يعصيه جاهلا
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٣ ، أخرجه عبد بن حميد عن صالح بن مسمار قال : بلغني أن النبي (ص) تلا هذه الآية (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ثم قال : جهله.
(٢) نور الثقلين ٥ : ٥٢١ ، عن نهج البلاغة.