الاختيارية : عقلانية وجسدانية ، وتبقى الأعمال والحركات القسرية الضرورية لإبقاء الحياة حالة المنام ، فحالة السبات حالة لا موت ولا حياة ، موت شيئا مّا وحياة شيئا مّا ، إنه اندفاع الروح الإنساني مع الحيواني الإرادي إلى عمق الحياة ، وانصراف لهما مؤقتا عن الحياة الدنيا ببدنها وهذه الحالة تتكفل بإراحة الإنسان نفسيا وجسدانيا ، وتعويضه عن الجهد الذي بذله حالة الصحو والانشغال بأمور الحياة .. وإنه هدنة للروح من صراع الحياة العنيف ، تلمّ بالإنسان ليلقي سلاحه ويستسلم لفترة من السلام ، وهذا هو الصحيح عن واقع النوم.
فإنه قفزة مؤقتة إلى حياة أعمق وكيان أعرق ، سوف يقفز الإنسان إليه دون رجوع : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .. وما أشبه المنام بالممات ، إذ يذكّر الإنسان بحالة الممات : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦ : ٦٠).
هذا السبات المؤقت عن كامل الحياة ثم الرجوع إليها ، إنه من البراهين الواقعية لنبإ المعاد إضافة إلى نبإ التوحيد : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣٩ : ٤٢).
فمن هنا تأخذ ازدواجية البرهان موقفها الحاسم ، بعد وحدتها لنبأ التوحيد ، ازدواجية تضم نبأ المعاد إلى نبإ التوحيد ، ومن ضمن النبأين الأصيلين توحي إلى نبأي النبوة المحمدية والقرآن ، حيث البراهين تسبر أغوار الكون الخفية وحتى الآن ، فضلا عن زمن نزول القرآن.
فمهاد الأرض ، وأوتاد الجبال ، وكائنات الأزواج ، والنوم السبات ، والليل اللباس ، إلى سائر الحالات المسرودة هنا من الكائنات ، إنها إنباءات غيبية ليست من حصائل التفكير لإنسان الأرض كإنسان ، ولا سيما الأمي الذي لم يدرس