جلّ من لا تأخذه سنة ولا نوم ، فالكون كله في سنة ونوم ـ مما يدل على ضعفه وعدم استقلاله ـ إلا الله الواحد القهار.
إن النوم من رحمات الله وآياته : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٣٠ : ٢٣) : آية العلم والحكمة والقدرة الإلهية ، وآية للموت والحياة بعد الموت: (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣٩ : ٤٤) (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦ : ٦٠).
(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) : سكنا عن حركات التعب ونهضات النصب ، لتجديد قوى الحياة ، وجعل الليل لباسا لهذا السكن ، سكنا على سكن : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ..) (١٠ : ٦٧) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً) (٢٥ : ٤٧) ، فلو لم يكن الليل لم يكن سكن ، ولو لم يكن النوم لم يكن سبات : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢٨ : ٧١ ـ ٧٢) نوم سبات في ليل سكن على مهد الأرض ، ويا لها من نعم لا تحصى.
مهد مهّد الله لنا فيه كل حاجيات الحياة حتى الممات ، وسبات يقطعنا عن زعزعات الحياة وينقل بنا إلى حياة البرزخ لنسكن مع الأحياء فترة هناك ، ثم نرجع علنا نجدّد الحياة ، وسكن يمهد لنا حراكا أقوى وأبقى مما لو لم يكن سبات ولا سكن .. فهل يا ترى أنها فوضى وصدفة عمياء؟ سبحان الخلاق العظيم!
ثم لنعرف ما هو مدى هذا السبات ، هل إنه سبات عن الحياة كل الحياة؟ أم سبات عن العمل مع بقاء الحياة كما كانت ، أم سبات قسري عن أعمال الحياة