(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) :
لا بعد الموت فحسب ، بل ومنذ كونهم أبرارا ، فإن البرّ هو النعيم بذاته ، لنفسه ولمجتمعه ، مهما كان بروز نعيمه بحقيقته يوم القيامة الكبرى ، فلفظ الآية (لَفِي نَعِيمٍ) يوحي ظرفا فعليا مستمرا لنعيمهم ، لا «سوف ينعمون» لكي يختص نعيمهم بالمستقبل ، فهم نعيم وفي نعيم ، حاضرا ومستقبلا وغابرا ، ما داموا أبرارا.
(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) :
كما (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) ما داموا فجارا ، فهم جحيم : نار شديدة التأجج ، يوم الدنيا ويوم الدين ، هم وقود نيران الخلافات والعداءات والويلات يوم الدنيا ـ وعلى أثره ـ هم وقود الجحيم يوم الدين ، يصلون الجحيم بأفكارهم وأعمالهم وذواتهم ، فما الصلي إلا وقودا ، وليس كل أصحاب الجحيم وقودا لها : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٩٢ : ١٥ ـ ١٧).
فهنا شقي وهنا أشقى ، ولا يصلى النار إلا الأشقى ، وإن كان يدخلها كلّ من الشقي والأشقى ، فالأشقى صلاء ووقود ، والشقي يحرق به ، وقد يجنّبها بعد ما ذاق جزاءه الوفاق.
فالصلي هنا ليس دخولا في النار كما يزعم ، وإنما هو إيقاد ، كما الاصطلاء هو الاستيقاد : (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٨ : ٢٩).
لذلك لا نرى صلي الجحيم ـ حسب القرآن ـ إلّا للأشقين