الوزن في البيع ، ودون اختصاص بكيل شيء أو وزنه ، وإنما (كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ). كيل المشترين ووزنهم بما يتعلق بهم ، كأنما البائعون لهم والمشترون منهم هم متع لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا قدر رحمة المطففين ، يعيّشونهم كأرذل العيشة وأنذل من عيشة الحيوان ، ولكي يعيشوا مترفين على مساعي هؤلاء المستضعفين المنكوبين المرضوضين ، عمال لا يحق لهم الحصول على ما يحصّلون!
* * *
(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٦)
.. والظن هنا مطلق الاعتقاد الراجح ، عقليا أو قلبيا ، فالمعتقدات العقلية ـ غير المتعاملة مع الواقع العملي ـ هي ظنون قلبية ، وإلى درجة الشك والنكران ، والمتعاملة منها مع الواقع هي ظنون قلبية إلى الصعود وإلى درجة اليقين القلبي ، والظنون العقلية هي شكوك في القلب ، وحق الظن أيا كان أن يردع الإنسان عن التخلف ، سواء أكان ظنا عقليا فشك قلبي ، أيقينا عقليا فظن قلبي ، فأي منهما حصل ـ لمن يحترم عقله ويخاف سوء الحساب ـ إنه كاف أن يكفّه عن التطفيف وأكل أموال الناس وإيكالها ، وهدر نفوس الناس وإبطالها ، واستخدام سلطان الزور بحقهم ، فالأعمال ليست إلا صورا واقعية عن نفسيات الإنسان ، وعلى حدّ تعبير الإمام الصادق عليه السّلام : «القلوب أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء» (١).
ومن أعجب العجاب أن يقين الحساب قد يتمثل شكا في الواقع ، وعلى حد تعبير
__________________
(١) بحار الأنوار ، باب العقل والجهل.