يقين ، فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا فهو على الشك (١) وهو يعتبر الظن في الآيتين ظن اليقين (٢). مهما كان في آية المطففين شاملا لظن الشك أيضا ، فإن الإمام يبيّن هنا المصداق الخفي (ظن اليقين) دون نكران لسائر الظن.
ألا يظن أولئك الظانون حتى يدفعهم ظنهم إلى العدل في الناس ، ولم لا يظن هؤلاء الشاكون في البعث ، ودلائل العلم باهرة وشواهده ظاهرة.
ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟! عظيم ما أعظمه مدى الدهر إذ يقوم الناس بأرواحهم وأجسادهم من أجداثهم ، يقومون لأعظم عظيم ، لله رب العالمين ، لحساب عظيم ، يقوم هذا الصغير الصغير لغير النهاية ، لهذا العظيم العظيم لغير النهاية ، يقومون له ـ لا ـ إليه ، فإن رب العالمين لم يكن بعيدا عنهم قبل قيامهم وفي دنيا الحياة ، مهما كانوا ـ هم ـ عنه بعيدين.
فهم يومئذ يقومون له ، بعد ما كانوا قائمين في دنيا الحياة لأنفسهم إلا قليلا ، فهؤلاء القلة القائمة لله طوال الحياة ، يقيمهم الله له ليريهم أعمالهم بالحسنى ، والكثرة القائمة لأنفسها يقيمهم الله ليجازيهم بما عملوا جزاء وفاقا ، ف (قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) يوم الدنيا ، ولكي تقوموا له أيضا يوم الدين فيقيمكم في عليين.
يوم يقوم الناس لرب العالمين : ليروا ربوبيته العالمية حقها يوم الجزاء ، فإن ربوبيته تعالى يوم الدنيا قائمة على أساس الاختبار والإختيار والتكليف ، ثم هي قائمة يوم الدين على أساس الحساب والجزاء.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٢٨ عن الاحتجاج للطبرسي.
(٢) المصدر عنه (ع) فيما يكون تأويله على غير تنزيله قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي : يوقنون أنهم مبعوثون ، ومثله قوله : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : ليس يوقنون.