عاشوه يمين الحياة وركنها في الدنيا ، ويؤتاه شمال المجرمين أو وراء ظهرهم كما عاشوه هكذا ، صورة طبق الأصل ولا يظلمون نقيرا : «فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا» (١٧ : ٧١) (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٦٩ : ١٩ ـ ٢٠).
وقد تدل قراءة الكتاب (١٧ : ٧١) واستقراؤه (٦٩ : ١٩) أنه ليس كتاب الشريعة ، فإنه لا يختص بأصحاب اليمين ، فليكن هو كتاب الأعمال ، ومعه كتاب النجاح يؤتاه أصحاب اليمين بأيمانهم علامة النجاح ، أو كتاب السقوط يؤتاه أصحاب الشمال بشمائلهم علامة السقوط ، ولا ينافيه تسويف الحساب : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) إذا عني منه كتاب التبشير أو الإنذار قبل الحساب ، للتدليل على موقف الحساب.
(فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) : لا يلاقي صعوبة في حسابه ، فلا يحاسب على سيئاته ، ولأنه ترك الكبائر : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) ولأنه كان تائبا منيبا إلى ربه نادما عما اقترفه من اللمم : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (٥٣ : ٣٢) ، ولأنه عاش يمين الحياة بترك كبائر الإثم والشهوات ، وكان مبدؤه في الحياة أنه من أصحاب اليمين ، وأولئك هم الذين يقرءون كتابهم مسرورين بما فيه ، ويدعون أهل المحشر ـ كذلك ـ ليقرأوا كتابهم ابتهاجا بما فيه ، ومن هنا نعرف أن هذا ليس حسابا «فليس أحد يحاسب إلا هلك ، وإنما ذلك عرض وعلى حد قول الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم (١) ، وبما أن الكتاب فيه النجاح ، ويشير إلى يسر الحساب ، لذلك :
__________________
(١) نور الثقلين ٦ : ٣٢٩ ، أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله (ص): «ليس أحد يحاسب إلا هلك ، ـ