وإنما إملاء وابتلاء ، ولكي يثبت أنه (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) يفعل ـ أحيانا ـ بالمجرمين ما لا يمكن أن يفسّر بالصدفة أو العادة ، وإنما القصد الخارق للعادة ، ولكي ينتبه الغافلون.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ. وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) :
فقد أغرق الله فرعون وجنوده في اليمّ بعد ما نجّى بني إسرائيل ، ونجّى فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (٢٠ : ٧٨).
وقد أخذ الله ثمود بعذاب بئيس بعد ما أوعدهم ، بما كذبوا صالحا وعقروا الناقة : «ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب. فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب. فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز. وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين. كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود» (١١ : ٦٨).
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) وأخذ الكفر شغاف قلوبهم ، إنهم (فِي تَكْذِيبٍ) يعيشون التكذيب كأنهم غريقون في يمّه (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) لا فيهم ، إذ هو بعيد عن ذواتهم بعد القرب والمعرفة ، وبعد الذات والصفة ، فهو من وراءهم محيط ، نافذ فيهم علمه ، غالبة عليهم قدرته ، قريب في بعده ، وبعيد في قربه ، محيط بهم وبعالمهم ، لا يفلت منه أحد ، ولا يغيب عنه أحد ، وبيده ناصية كلّ شيء.