(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى. فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) :
فهناك يسرى في تلقي الوحي : ألا يشتبه عليه وحي الرحمان بوحي الشيطان ، ويسرى في تبليغه : ألا ينساه ، ويسرى في تطبيقه : أن يلائم حياة الإنسان إلى يوم القيام ، مهما كانت هنا وهناك عسرى في الدعوة في جهات أخرى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ويسره يغلب عسره ، عسر مؤقت ويسر دائم!.
واليسرى هي الحياة اليسري : أيسر الحياة ، في أعسر الظروف والمجالات ، وقد يسره ربه : «نيسرك» لا أنه «يسر له» مما يدل أن الله جعل الرسول يسرا في ذاته ، يسرا في إمكانياته ، مهما كانت الظروف صعبة ملتوية.
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) : فبما أنك لا تنسى وحي الرسالة ، وأن الله يسرك لليسرى ، فذكر إن نفعت الذكرى : نفعت بالفعل : «لمن أراد أن يتذكر أو أراد نشورا» ولتعش الذكرى حياتك كما عاش ذكر الله قلبك ، وأخذ كتاب الله شغافه ، فذكّر حيثما تجد فرصة للذكر ، ومنفذا إلى القلوب ، ووسيلة للبلاغ ، وحاول كافة المحاولات في خلق مجالات للذكر علّهم يتذكرون ، ولا تقل : العالم كالبيت يؤتى ولا يأتي! فهذا نفع فعلي للذكرى لمن أراد أن يتذكر ، أو أنها تحثه لإرادة الذكر ، وأما من لا يتذكر بها ، فنفع الذكرى له ليس إلا أنها حجة عليه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فذكرهم لحدّ الحجة ، فإن الذكرى عذر أو نذر ، ثم تصبح لغوا إذ لا نذر ولا عذر ، إذا فذكرهم ثم ذرهم: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ... أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ..) (٦ : ٧٠) والابسال التسليم للهلاك بسوء العمل ، وما لم تكن الذكرى لم يكن العمل سوءا .. ثم اترك الذكرى حين لا ينفع لا هدى ولا حجة ، لمن ثبتت عليه : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) (٥٣ : ٢٩).