متدفقة من تسنيم وسلسبيل ، والماء الجاري يجاوب الحسّ بالحيوية ، والروح بالانتفاض والانقباض ، والسرر المرفوعة لها جمالها وجلالها ، والأكواب جمع كوب : قدح لا عروة له ، رمزا إلى سعتها ، ولأن العروة تجمع القذارات تحتها ، وليست جمع الكوبة : الطبل الذي يلعب به ، فليس في الجنة لغو ولا تأثيم ، والنمارق هي المساند. مصفوفة بعضها إلى بعض. والزرابي هي البسط الفاخرة ، مبثوثة منتشرة على أرض الجنة ، للزينة والراحة سواء.
فهذه هي البعض من أثاث بيت الجنة ، فيها اللذة كلّها ، والراحة تمامها ، والمتعة بكاملها ، دون تعب وعناء ، أو شغب وشقاء.
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) :
حض النظر إلى ما حضر لعرب البادية ، وليس إلا الإبل التي يعيشها ، والأرض التي يطؤها ، والجبال التي يراها ، والسماء التي فوقه ، قطعا للأعذار ، وتقريبا للأنظار ، فلا أحد إلا ويعيش براهين على وجود الله تعالى ، لا يستطيع التحلل عنها ، حتى عرب البادية الذين يعيشون أنفسهم بآبالهم ، وهي كل ما يملكونه حياتهم ، ومن الغريب أنها أكمل الحيوان وأنفعه وأجمعه لصالح المعيشة والراحة :
فهي ركوبهم بأحمالهم ، ومنها شرابهم وإدامهم ، ومن أوبارها وجلودها ثيابهم وفرشهم : كمواد أولية للحياة ، ثم إن لها خصائص تخصها بين الحيوان : فهي على عظم منافعها قليلة التكاليف ، صابرة على الجوع والعطش والكدح ، تأكل ما لا يأكله سائر الحيوان ، وهي على قوتها وضخامتها ذلول يقودها الصغير فتنقاد له ، وتنهض بحملها وهي باركة ، بخلاف سائر الحمولة ، وبإمكانها الصبر على الجوع والعطش لمدة أسبوع ، وأن تمشي يوميا خمسين فرسخا ، تمشي في