إنه يوم ينقلب فيه نظام الكون الحالي وينفرط عقده إلى نظام أرقى وأبقى!
من هنا نرى سردا منسقا لنبإ المعاد بعد نبإ التوحيد ، فما أن ثبت التوحيد بأدلته فلا حاجة لاستعراض براهين للمعاد إلا أحيانا ، وإنما العرض هنا لواقع المعاد ولمّا يقع ، وتحصل يوم الفزع الأكبر ، ولكي يتذكره المتذكرون ويتحذره الحاذرون.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) :
هناك نفختان يوم الفزع الأكبر : نفخة الإماتة ونفخة الإحياء ، نفخة تدمّر وأخرى تعمّر ، قد تجمعان كيوم واحد لاتصالهما وأنهما في نهاية يوم الدنيا : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٣٩ : ٦٧ ـ ٦٨) : نفخة الصعقة المميتة ثم نفخة القيام.
وقد تجمعان كذلك إلا بتقديم الأخرى على الأولى كما هنا : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) فهو في النفخة الثانية : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) وهو في الأولى ، تقديما لما هو أهمّ وأحرى وهو الغاية القصوى من نفخة الإماتة.
وقد تفرد إحداهما بالذكر كالأولى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَة) ثم تتبع بواقع الثانية : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (٦٩ : ١٣ ـ ١٨ ، وكالثانية وهي الأكثر ذكرا من الأولى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٣٦ : ٥١) (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (٢٣ : ١٠١) ..