وليس معنى القضاء والقدر والإنشاء ليلة القدر ، خروج الأمور عن خيرة الإنسان ، وإنما قدر وقضاء وإبرام على ضوء المساعي التي يقدمها الإنسان ، فرب خير يؤخّر ، أو يبدّل إلى شر ، لتأخر الإنسان عن معداته أو تركه لها إلى أضداده.
(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) :
ومما توحيه سورة القدر أن الأمور المقدرة فيها ليست إلا الخيّرة لا الشريرة ، وإنما حوادث الشر هي حصائل فشل الإنسان في التماسه الخير ومزيد الخير ليلة القدر ، ثم توانيه في السعي نحو الخير ، أو تركه إياه : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
هنا نعرف مدى علوم المعصومين من أهل بيت الرسالة المحمدية صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنهم يعرفون من الغيب كما يعلّمهم الله تعالى ، لا كل الغيب : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى
__________________
ـ رسول الله (ص): «سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم بما يكون إلى ثلاثمائة وستين يوما من الذر فما دونها وما فوقها ، ثم لا خبرتكم بشيء من ذلك لا بتكلف ولا برأي ولا بادعاء في علم إلا من علم الله تبارك وتعالى وتعليمه ، والله لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الإنجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان إلا فرقت بين أهل كل كتاب بحكم ما في كتابهم»
وعنه (ع) أنه سئل : أرأيت ما تعلمونه في ليلة القدر هل تمضي السنة وبقي منه شيء لم تتكلموا به؟ قال : لا والذي نفسي بيده لو أنه فيما علمنا في تلك الليلة أن أنصتوا لإعدائكم فنصتنا فالنصت أشد من الكلام.
ومن حديث له عليه السلام قال فيه : ينزل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من موت أو مولود ، قيل له : إلى من؟ قال : إلى من عسى أن يكون؟ أن الناس في تلك الليلة في صلاة ودعاء ومسألة وصاحب هذا الأمر في شغل نزول الملائكة إليه بأمور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها ، من كل أمر سلام هي له إلى أن يطلع الفجر» (نور الثقلين ج ٥ ص ٦٤١ ح ١١١ ـ ١١٣).