أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٤٤ : ١ ـ ٨).
فليلة القدر هي ليلة الفرق والفصل لكل أمر حكيم ، حكيم عند الله العزيز الحكيم ، وكما كان القرآن في ام الكتاب لدى الله عليّا حكيما : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) ثم فصّله ليلة القدر ، وأنزله على قلب الرسول البشير النذير ، أنزله من علوّه الإلهي ، وفصّله من حكمته الإلهية ، ولكي يدركه الرسول ، ثم فصّله تفصيلا ثانيا طوال البعثة كما شرحناه مسبّقا.
هذا تفريق أول للرسول ، ثم تفريق ثان بالنسبة للأقدار والأقضية الإلهية طوال السنة ، يفرقها الله تعالى لرسوله : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ويشاركه في التفريق الثاني الأئمة من أهل بيته المعصومين ، كلّ في زمنه ، لمكان الاستمرارية المستفادة لهذه الليلة المباركة من : «تنزل» * (فِيها يُفْرَقُ) لا «تنزل» * أو «فرق» *.
ثم (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) لا يخص أمور وأوامر الكرة الأرضية ، وإنما الكونية تماما : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) فهذه الربوبية الشاملة توحي أن هذه الرحمة أيضا شاملة : (رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) تشمل الكون أجمع ، فإن محمدا والخلفاء المعصومين المحمديين هم خلفاء الله في الكون أجمع ، والكرة الأرضية على صغرها هي المركز الرئيسي للتشريعات والأحكام ومعرفة الأقضية والأقدار الإلهية (١).
__________________
(١) عن الإمام الصادق (ع) قال : قال علي (ع) في صبيحة أول ليلة القدر التي كانت بعد ـ