ثم الخلود الأبدي أيضا لا يعني إلا خلودا أطول من غيره ، لا الخلود اللانهائي فلسفيا ، فإنه خلاف العقل والعدل والنقل ، قرآنيا وفي السنة ، ومما يوهن صلابة الخلود ـ في زعم اللانهاية ـ أن الخلود لغويا ليس إلا المقام مدة طويلة ، ولا يعني الأبد لخلود النار إلا أبد الحياة ومدى الحياة ، وإن كان الأبد في الجنة لا نهائيا ، إذ إن اللانهاية في الرحمة من فضل الله ، وهي في العذاب ظلم ، والنهاية في العذاب لزام عدله (١).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) :
هناك شر البرية وهنا خير البرية ، وهنا لك المتوسطون بين الفريقين على درجاتهم ، فلا أن أشرارهم يخلّدون في النار ، ولا أن أخيارهم يدخلون الجنة بغير حساب ، ومن خير البرية ـ وعلى حد قول الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هو نفسه وعينه وخليفته في أمته علي أمير المؤمنين عليه السّلام (٢).
__________________
(١) راجع كتابنا (عقائدنا) المخلدون في النار ص ٣٠٦ ـ ٣٢٢ والآية لابثين فيها أحقابا من سورة النبأ في هذا الجزء.
(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٧٩ ـ أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي (ص) فأقبل علي (ع) فقال النبي (ص) والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فكان أصحاب النبي (ص) إذ أقبل علي (ع) قالوا : جاء خير البرية ، وأخرجه ابن عساكر عن ابن عباس وابن مردويه عن علي (ع) ، وأخرجه ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ، وفي كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكافي قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بالإسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل عن علي (ع) مثله.
أقول : وهذا من قبيل الجري والتطبيق في المختلف فيه بين المسلمين ، إذ من الضروري أن الرسول (ص) هو خير البرية قبل علي (ع) كما في اعتقادات الإمامية للصدوق قال النبي (ص) أنا أفضل من جبرائيل ومكائيل وإسرافيل ومن جميع المقربين وأنا خير البرية من ولد آدم (نور الثقلين ج ٥ ص ٦٤٥ ح ١٥).
وثم بعد الرسول من رباهم بالوحي ، من خلفائه المعصومين ، كما في أصول الكافي عن طاهر قال كنت عند أبي جعفر (ع) فأقبل جعفر (ع) فقال أبو جعفر (ع) هذا خير البرية ، أو «أخير».