وجد هؤلاء الأعداء الألداء من أمية قريش ، ظرفا لإهانة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ توفي ولده الذكور ، حين كان ينتظر بنو هاشم أن يرث المجد الهاشمي المحمدي ذكور من ولده ، فأول من ولد له صلّى الله عليه وآله وسلّم «زينب» ، ولكن هاشم تنتظر الذكر ، الثاني كذلك بنت «رقية» فقد كاد أن يخيب الأمل ، والثالث كذلك بنت «أم كلثوم» فقد قوي الكيد من أمية.
لكنما الرابع والخامس هما من الذكران «قاسم ـ عبد الله» .. لكنهما أفلا قبل الإشراق .. فهل تلد خديجة بعد؟ وهل ذكرا؟ .. إنها ولدت ولكنها الرابعة من بناتها : «فاطمة» .. أجل ولد له صلّى الله عليه وآله وسلّم لآخر مرة ذكر «إبراهيم» * لكنه أيضا أفل ، وأخيرا لم تبق إلا البنات ، ثم بنت واحدة هي الأخيرة ، فما هو الأمل؟
كيد لئيم من حزب الشيطان وجد له مجالا ، في القول : «إنه أبتر» (١) ، في البيئة العربية ، التي تتفاخر وتتكاثر بالأبناء! ويجد من يهشّ لها من أعداء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وشانئيه ، علها أوجعت قلبه الشريف ، وإن كان واثقا بنصرة ربه ، وخيبة أعدائه.
هنا ، وبهذه المناسبة المؤلمة ، ولأمور أخرى ، نزلت سورة الكوثر ، ماسحة على قلبه بالروح والندى ، مقررة حقيقة الخير الباقي الممتد مدى الدهر ،
__________________
(١) قال ابن عباس : إن رسول الله (ص) دخل من باب الصفا وخرج من باب المروة فاستقبله العاص بن وائل السهمي ، فرجع العاص إلى قريش ، فقالت له : من استقبلك يا أبا عمرو آنفا؟ قال : ذلك الأبتر ، يريد به النبي (ص) ، حتى أنزل الله هذه السورة.
عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصابي المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة ، قال : أنتم خير منه ، فنزلت : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (ج ٦ ص ٤٠٣).