(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً. وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً. فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً).
إن مهمة اعتناق عقيدة الحياة بعد الموت ، تنحو نحو الحساب ، وإذ لا تصديق بالحساب الحق فلا يجدي الاعتراف بالحياة الأخرى نفعا.
لذلك تركّز الآية على (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) وإن كانوا يرجون حياة أو لا يرجون ، فإن رجاء الحساب هو أقل ما يدفع الإنسان إلى الصالحات رجاء الثواب ، ويمنعه عن محارم الله رجاء العقاب (١) ، ثم فوقه الإيقان بالحساب ، والموقنون أيضا درجات.
هؤلاء الطاغون لم يكن الحساب عندهم حتى ولأدنى ما يجب ، أن يرجوا حساب الله الذي وعده وأكّد عليه .. كانوا يعيشون نكران الحساب ، فأخذوا حريتهم في حيونة الحياة كأنهم يعلمون ألّا حساب! ..
(كانُوا لا يَرْجُونَ) : لا يأملون ولا يخافون حسابا ، أي حساب ، قليلا ولا كثيرا ، فقد تركوا ما فيه أمل الثواب واقترفوا ما فيه خوف العقاب ، ولو أنهم أملوا الثواب لأقبلوا إلى الطاعات ، ولو أنهم خافوا العقاب لأدبروا عن موجبات العقاب ، ولكنهم كانوا لا يرجون حسابا أي حساب : رجاء الثواب أو خوف العقاب ، ثم وكذبوا بآيات الله الكذاب.
(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) : كذبوا بالآيات الآفاقية والأنفسية ، التكوينية والتشريعية ، إذ كذبوا بآيات الله الواقعية والعقلية والفطرية ، التي تدل على وجوده وتوحيده ، وكذبوا بآيات النبوات : معجزات الأنبياء ، فكذبوا الرسل وكذبوا بآيات الوحي في كتابات السماء ، ومن ضمنها كذبوا بآيات الحساب.
__________________
(١) الرجاء من اللغات المتضادة جاءت بمعنى الأمل والخوف وقد نعنيهما معا كما هنا.