العوذ واللواذ بالله تعالى ، وكلما كان الاستظلال في ظل هذه الظلال أوسع وأعمق كانت الاستعاذة أوفق ، فهو بالإعاذة أحرى وأحق (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
(بِرَبِّ النَّاسِ) :
بمالكهم ومربيهم ، الذي يعرف ناسهم ونسناسهم ، يعرف فضائل الأخلاق ورذائلها ، فله أن يخرجنا من الظلمات لأنه يعرفها ، إلى النور لأنه يعرفه ، يعرف الخير والشرّ وكما هدانا إليهما.
وعلى المستعيذ ، من اللاتربية إلى التربية ، أن يستعيذ برب الناس : وليعرف الموازين التربوية ، علمية وتطبيقية ، وليعرف الشيطنات كلها ، ولكي يستطيع الفرار من الظلمات إلى النور ، في ظل ربوبية الرب المعيذ.
إننا لا نستعيذ بالأنبياء ، فهم المستعيذون أيضا كأمثالنا لا معيذون نهتدي بدلالاتهم الرسالية : وإنما نستعيذ برب الناس : رب الرسل والمرسل إليهم ..
ثم قد تكون الاستعاذة ناقصة غير ناجحة ، إذا لم يكن المعيذ ملكا قديرا ، فربّ ربّ يحاول الإعاذة ولكنه لا يملكها ، لأنه ليس ملكا قديرا يدحر الشياطين بقوة ، فكمال الاستعاذة إذا يتطلب أن تكون بملك الناس :
(مَلِكِ النَّاسِ) :
الذي يملك الجنة والناس ، ويملك الخير والشر ، ولكنه ليس منه شر ، إنما يدفع عنه إلى الخير ، فالمحاولات التربوية لا تكفي إعاذة من الشرور واقعيا مهما كانت قوية.
فقد تتطلب قوة للدفع ولتطبيق شريعة الله ودحر الشياطين ، فشريعة الله ليست شريعة علم وأحكام فحسب ، إنها شريعة القدرة والطاقة الجبارة أيضا : إنها نظام وتطبيق ، فالنظام بحاجة إلى تطبيق ، والتطبيق فاشل ما لم تكن سلطة.