فالسابقات من هذه النازعات وأمثالها ، تسبقها فيما تريد في ميادين السباق ، وكما في الناشطات والسابحات سابقات ، كلها تنحو منحى تدبير الكون إلهيا وتدميره إلهيا.
هذه السابقات هي المدبّرات أمرا : إذ تنزع ما أمرت بنزعها من أرواح ، ثم تدبّر أمر الله فيها ، برجع الأبدان إلى حيث كانت ـ وكما يناسب الحياة الآخرة ـ ثم رجع الأرواح إليها وجمعها يوم الجمع.
إنها نشيطة في سبحها وسابحة في نشطها ، سابقة سائر القوات في تحقيق أمر الله في جو الحياة ومعداتها ، والموت ومعداته .. ولأنها مدبرات لأمر الله (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ).
هذه المدبرات أمرا ، تدبّر بما سبقت سائر القوات ، فهي مدبّرة وتلك مدبّرة ، بما سبقت في نضالها ، في نزعها ونشطها وسبحها.
لا يمكن ولا يكون إلا ما أراد الله في دنيا الحياة وعقباها ، إلا ما فيه الاختيار ، دون أن يملك الاختيار أيضا جبرا في إرادة الله.
إن ملائكة الله ينزعون ـ نازلين ـ عن أمر الله : غرقا في أعماق الكون لتحقيق أمره ، وينشطون محللين وعاقدين كذلك ، ويسبحون في بحر الوجود ابتغاء تلقي الأوامر الإلهية تحقيقا وتطبيقا ، ويرجعون إلى مقام العز نشيطين منبسطين سابقين مناوئيهم في ميادين السباق ، مدبرين أمر الله بما أراده الله «يدبرون ذكر الرحمن وأمره» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣١١ ، أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب ان ابن الكوا سأله عن المدبرات أمرا قال : الملائكة يدبرون ذكر الرحمان وأمره.
أقول : ذكر الرحمان إشارة إلى الأمر التشريعي وأمره هو التكويني.