حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر وعيّاش بن عبّاس القتباني وبعضهم يزيد على بعض في الحديث : وهو أن عمر بن الخطّاب ، رضي الله عنه ، لما قدم الجابية خلا به عمرو بن العاص وذلك في سنة ١٨ من التاريخ فقال : يا أمير المؤمنين ائذن لي في المسير إلى مصر فإنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونا لهم وهي أكثر الأرضين أموالا وأعجز عن حرب وقتال ، فتخوّف عمر بن الخطّاب على المسلمين وكره ذلك فلم يزل عمرو بن العاص يعظّم أمرها عنده ويخبره بحالها ويهوّن عليه أمرها في فتحها حتى ركن عمر ابن الخطاب لذلك فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عكّ ، قال أبو عمر الكندي : إنه سار ومعه ثلاثة آلاف وخمسمائة ثلثهم من غافق ، فقال له : سر وأنا مستخير الله تعالى في تسييرك وسيأتيك كتابي سريعا إن شاء الله تعالى ، فإن لحقك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره ، فسار عمرو بن العاص بالمسلمين واستخار عمر بن الخطاب الله تعالى فكأنه تخوّف على المسلمين فكتب إلى عمرو يأمره أن ينصرف فوصل إليه الكتاب وهو برفح فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه حتى نزل العريض فقيل له إنها من مصر فدعا بالكتاب وقرأه على المسلمين وقال لمن معه : تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا : نعم ، قال : فإن أمير المؤمنين عهد إليّ إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع ، وقد دخلت أرض مصر فسيروا على بركة الله ، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما قتالا شديدا نحو شهرين ففتح الله له وتقدم لا يدافع إلا بالأمر الخفيف حتى أتى بلبيس فقاتلوه بها نحوا من الشهر حتى فتح الله عز وجل له ثم مضى لا يدافع إلّا بأمر خفيف حتى أتى أمّ دنين وهي المقس فقاتلوه قتالا شديدا نحو شهرين وكتب إلى عمر ، رضي الله عنه ، يستمدّه فأمدّه باثني عشر ألفا فوصلوا إليه أرسالا يتبع بعضهم بعضا وكتب إليه : قد أمددتك باثني عشر ألفا وما يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة ، وكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة من الصحابة الكبار : الزّبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلّد ، رضي الله عنهم ، وقيل إن الرابع خارجة بن حذافة دون مسلمة ، ثم أحاط المسلمون بالحصن وأمير الحصن يومئذ المندفور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني ، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل غير أنه حاصر الحصن حين حاصره المسلمون ، ونصب عمرو فسطاطه في موضع الدار المعروفة بإسرائيل على باب زقاق الزّهري وأقام المسلمون على باب الحصن محاصري الروم سبعة أشهر ورأى الزّبير بن العوّام خللا مما يلي دار أبي صالح الحرّاني الملاصقة لحمّام أبي نصر السّرّاج عند سوق الحمّام فنصب سلّما وأسنده إلى الحصن وقال : إني أهب نفسي لله عز وجل فمن شاء أن يتبعني فليفعل ، فتبعه جماعة حتى أوفى على الحصن فكبّر وكبّروا ونصب شرحبيل بن حجيّة المرادي سلّما آخر مما يلي زقاق الزمامرة ، ويقال إن السلّم الذي صعد عليه الزبير كان موجودا في داره التي بسوق وردان إلى أن وقع حريق في هذه الدار فاحترق بعضه ثم أحرق ما بقي منه في ولاية عبد العزيز بن محمد بن النعمان ، أخزاه الله ، لقضاء الإسماعيلية وذلك بعد سنة ٣٩٠ ، فلما رأى المقوقس أن العرب قد ظفروا بالحصن جلس في سفينة هو وأهل