النعمان معه حتى أتى المدائن فأمر به كسرى فحبس بساباط ، فقيل : إنه مات بالطاعون ، وقيل : طرحه بين أرجل الفيلة فداسته حتى مات ، ثم قيل لكسرى : إن ماله وبيته قد وضعه عند هانئ بن قبيصة بن هانئ ابن مسعود الشيباني ، فبعث إليه كسرى : إن أموال عبدي النعمان عندك فابعث بها إليّ ، فبعث إليه : أن ليس عندي مال ، فعاوده فقال : أمانة عندي ولست مسلمها إليك أبدا ، فبعث كسرى إليه الهامرز ، وهو مرزبانه الكبير ، في ألف فارس من العجم وخناير في ألف فارس وإياس بن قبيصة ، وكان قد جعله في موضع النعمان ملك الحيرة ، في كتيبتين شهباوين ودوسر وخالد بن يزيد البهراني في بهراء وإياد والنعمان ابن زرعة التغلبي في تغلب والنمر بن قاسط ، قال : وإن العربان المجتمعة عند هانئ بن قبيصة أشاروا عليه أن يفرق دروع النعمان على قومه وعلى العربان ، فقال : هي أمانة ، فقيل له : إن ظفر بك العجم أخذوها هي وغيرها وإن ظفرت أنت بهم رددتها على عادتها ، ففرقها على قومه وغيرهم وكانت سبعة آلاف درع وعبّى بنو شيبان تعبية الفرس ونزلوا أرض ذي قار بين الجلهتين ووقعت بينهم الحرب ونادى منادي العرب : إن القوم يغرقونكم بالنّشّاب فاحملوا عليهم حملة رجل واحد ، وبرز الهامرز فبرز إليه يزيد بن حرثة اليشكري فقتله وأخذ ديباجه وقرطيه وأسورته ، وكان الاستظهار في ذلك اليوم الأول للفرس ثم كان ثاني يوم وقع بينهم القتال فجزعت الفرس من العطش فصارت إلى الجبابات فتبعتهم بكر وباقي العربان إلى الجبابات يوما فعطش الأعاجم فمالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب وانهزمت الفرس وكانت وقعة ذي قار المشهورة في التاريخ أنها يوم ولادة رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وكسرت الفرس كسرة هائلة وقتل أكثرهم ، وقيل : كانت وقعة ذي قار عند منصرف النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، من وقعة بدر الكبرى ، وكان أول يوم انتصف فيه العرب من العجم وبرسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، انتصفوا ، وهي من مفاخر بكر بن وائل ، قال أبو تمام يمدح أبا دلف العجلي :
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها |
|
وزادت على ما وطّدت من مناقب |
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم |
|
عروش الذين استرهنوا قوس حاجب |
وذكر أبو تمام ذلك مرارا فقال يمدح خالد بن يزيد ابن مزيد الشيباني :
ألاك بنو الأفضال لولا فعالهم |
|
درجن فلم يوجد لمكرمة عقب |
لهم يوم ذي قار مضى وهو مفرد |
|
وحيد من الأشباه ليس له صحب |
به علمت صهب الأعاجم أنه |
|
به أعربت عن ذات أنفسها العرب |
هو المشهد الفرد الذي ما نجا به |
|
لكسرى بن كسرى لا سنام ولا صلب |
وقال جرير يذكر ذا قار :
فلما التقى الحيّان ألقيت العصا ، |
|
ومات الهوى لما أصيبت مقاتله |
أبيت بذي قار أقول لصحبتي : |
|
لعلّ لهذا الليل نحبا نطاوله |
فهيهات هيهات العقيق ومن به ، |
|
وهيهات خلّ بالعقيق نواصله |
عشيّة بعنا الحلم بالجهل وانتحت |
|
بنا أريحيّات الصّبا ومجاهله |