والاستحياء للإصلاح أشبه منه بالإنسان الذي يرجى منه الارعواء عن الجهالة والنزوع من البطالة والانتقال من حالة إلى حالة ، قال : وولد مالك بن فهم ثمانية : فراهيد والخمام والهناءة ونوى والحارث ومعن وسليمة وجذيمة الأبرش بنو مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ، قال : والمتمرد من ولد عمرو بن عامر بوادي سبا هو جد القفس ، وذلك أن سليمة بن مالك هو قاتل أبيه مالك بن فهم وهو الفار من إخوته بولده وأهله من ساحل العرب إلى ساحل العجم مما يلي مكران والقاطن بعد في تلك الجبال ، قال الرّهني : وأردنا بذكر هذه الأمور التي بينّاها من القفس لندل على أنهم لم يكن لهم قط في جاهلية ولا إسلام ديانة يعتمدونها ، وليعلم الناس أنهم مع هذه الأحوال يعظمون من بين جميع الناس عليّ بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، لا لعقد ديانة ولكن لأمر غلب على فطرتهم من تعظيم قدره واستبشارهم عند وصفه ، قال البشاري : الجبال المذكورة بكرمان جبال القفص والبلوص والقارن ومعدن الفضة ، وجبال القفص شمالي البحر من خلفها جروم جيرفت والروذبار وشرقيها الاخواس ومفازة بين القفص ومكران وغربيها البلوص ونواحي هرمز ، ويقال إنها سبعة أجبل وإن بها نخلا كثيرا وخصبا ومزارع وإنها منيعة جدّا والغالب عليهم النحافة والسمرة وتمام الخلقة يزعمون أنهم عرب ، وهم مفسدون في الأرض ، وبين أقاليم الأعاجم مفازة وجبال ليس بها نهر يجري ولا رستاق ولا مدينة مشهورة يسكنها الذّعّار صعبة المسلك ، وفيها طرق تسلك من بعض النواحي إلى بعض فلذلك قد عمل فيها حياض ومصانع أكثرها من خراسان وبعضها من كرمان وفارس والجبال والسند وسجستان ، والذعّار بها كثير لأنهم إذا قطعوا في عمل هربوا إلى الآخر وكمنوا في كركس كوه وسياه كوه حيث لا يقدر عليهم وليس بها من المدن المعروفة إلا سفند ، وهي من حدود سجستان ، ويحيط بهذه الجبال والمفاوز الموحشة من المدن المعروفة من كرمان خبيص ونرماسير ، ومن فارس يزد وزرند ، ومن أصبهان إلى أردستان والجبال قمّ وقاشان ، ومن قوهستان طبس وقائن ، ومن قومس بيار ، قال : ومثلها مثل البحر كيف ما شئت فسر إذا عرفت السمت لأن طرقها مشتهرة مطروقة ، قال : وقد خرجنا من طبس نريد فارس فمكثنا فيها سبعين يوما نعدل من ناحية إلى ناحية نقع مرة في طريق كرمان وتارة نقرب من أصبهان فرأيت من الطرق والمعارج ما لا أحصيه ، وفي هذه الجبال صرود وجروم ونخيل وزروع ، ورأيت أسهلها وأعمرها طريق الرّيّ وأصعبها طريق فارس وأقربها طريق كرمان ، وكلها مخيفة من قوم يقال لهم القفص يسيرون إليها من جبال لهم بكرمان ، وهم قوم لا خلاق لهم وجوههم وحشة وقلوبهم قاسية وفيهم بأس وجلادة لا يبقون على أحد ولا يقنعون بأخذ المال وإنما يقتلون صاحبه ، وكل من ظفروا به قتلوه بالأحجار كما تقتل الحيات ، يمسكون رأس الرجل ويضعونه على بلاطة ويضربونه بالحجارة حتى يتفدّغ ، وسألتهم : لم تفعلون ذلك؟ فقالوا : حتى لا تفسد سيوفنا ، فلا يفلت منهم أحد إلا نادرا ، ولهم مكامن وجبال يمتنعون بها ، وقتالهم بالنشاب ومعهم سيوف ، وكان البلوص شرّا منهم فتتبعهم عضد الدولة حتى أفناهم وصمد لهؤلاء فقتل منهم كثيرا وشرّدهم ولا يزال أبدا عند المتملك على فارس رهائن منهم كلما ذهب قوم استعاد قوما ، وهم أصبر خلق الله على