الجوع والعطش وأكثر زادهم شيء يتخذونه من النّبق ويجعلونه مثل الجوز يتقوتون به ، ويدّعون الإسلام وهم أشد على المسلمين من الروم والترك ، ومن رسمهم أنهم إذا أسروا رجلا حملوه على العدو معهم عشرين فرسخا حافي القدم جائع الكبد ، وهم مع ذلك رجّالة لا رغبة لهم في الدواب والركوب وربما ركبوا الجمّازات ، وحدثني رجل من أهل القرآن وقع في أيديهم قال : أخذوا مرة فيما أخذوا من المسلمين كتبا فطلبوا في الأسارى رجلا يقرأ لهم فقلت أنا ، فحملوني إلى رئيسهم فلما قرأت الكتب قرّبني وجعل يسألني عن أشياء إلى أن قال لي : ما تقول فيما نحن فيه من قطع الطريق وقتل النفس؟ فقلت : من فعل ذلك استوجب من الله المقت والعذاب الأليم في الآخرة ، فتنفس نفسا عاليا وانقلب إلى الأرض واصفرّ وجهه ثم أعتقني مع جماعة ، وسمعت بعض التجار يقول : إنهم إنما يستحلون أخذ ما يأخذونه بتأويل أنها أموال غير مزكاة وأنهم محتاجون إليه فأخذها واجب عليهم وحقّ لهم.
القُفْصُ : بالضم ثم السكون ، وآخره صاد مهملة ، جبال القفص : لغة في القفس المذكور قبل هذا ، قال أبو الطيب:
لما أصار القفص أمس الخالي
وكان عضد الدولة قد غزا أهل القفص ونكى فيهم نكاية لم ينكها أحد فيهم وأفنى أكثرهم ، والقفص أيضا : قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا قريب من بغداد وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح ، تنسب إليها الخمور الجيدة والحانات الكثيرة ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها فقال أبو نواس :
رددتني في الصّبا على عقبي ، |
|
وسمت أهلي الرجوع في أدبي |
لولا هواؤك ما اغتربت ولا |
|
حطّت ركابي بأرض مغترب |
ولا تركت المدام بين قرى ال |
|
كرخ فبورى فالجوسق الخرب |
وباطرنجى فالقفص ثم إلى |
|
قطربّل مرجعي ومنقلبي |
ولا تخطّيت في الصلاة إلى |
|
تبّت يدا شيخنا أبي لهب |
كان قد هوي غلاما من بني أبي لهب لما حج فقال هذه الأبيات ، ونسب إليها أبو سعد أبا العباس أحمد بن الحسن بن أحمد بن سلمان القفصي الشيخ الصالح ، سكن بغداد وسمع الحسن بن طلحة النعالي وغيره وذكره في شيوخه ، قال : ومولده في سنة ٤٦٦.
قَفْصَةُ : بالفتح ثم السكون ، وصاد مهملة ، القفص : الوثب ، والقفص : النشاط ، هذا عربي ، وأما قفصة اسم البلد فهو عجميّ : وهي بلدة صغيرة في طرف إفريقية من ناحية المغرب من عمل الزاب الكبير بالجريد بينها وبين القيروان ثلاثة أيام مختطة في أرض سبخة لا تنبت إلا الأشنان والشيح ، يشتمل سورها على ينبوعين للماء أحدهما يسمى الطرميذ والآخر الماء الكبير وخارجها عينان أخريان إحداهما تسمى المطوية والأخرى بيّش وعلى هذه العين عدة بساتين ذوات نخل وزيتون وتين وعنب وتفاح ، وهي أكثر بلاد إفريقية فستقا ومنها يحمل إلى جميع نواحي إفريقية والأندلس وسجلماسة ، وبها تمر مثل بيض الحمام ، وتمير القيروان بأنواع الفواكه ، قال : وقد قسم ذلك الماء على البساتين بمكيال توزن به