مقادير شربها معمولة بحكمة لا يدركها الناظر ، لا يفضل الماء عنها ، ولا يعوزها تشرب في كل خمسة عشر يوما شربا ، وحولها أكثر من مائتي قصر عامرة آهلة تطّرد حواليها المياه تعرف بقصور قفصة ، ومن قصور قفصة مدينة طرّاق ، وهي مدينة حصينة أجنادها أربابها ، لها سور من لبن عال جدّا طول اللبنة عشرة أشبار خرّبه يوسف بن عبد المؤمن حتى الحقه بالأرض لأن أهلها عصوا عليه مرارا ، ومنها إلى توزر ، مدينة أخرى ، يوم ونصف ، وقال ابن حوقل : قفصة مدينة حسنة ذات سور ونهر أطيب من ماء قسطيلية وهي تصاقب من جهة إقليم قمودة مدينة قاصرة ، قال : وأهلها وأهل قسطيلية والحمة ونفطة وسماطة شراة متمردون عن طاعة السلطان ، وينسب إلى قفصة جميل بن طارق الإفريقي ، يروي عن سحنون بن سعيد.
قِفْطٌ : بكسر أوله ، وسكون ثانيه ، كلمة عجمية لا أعرف في العربية لها أصلا ، وهي مسماة بقفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ، عليه السلام ، وقبط ، بالباء الموحدة ، قالوا : إنه أخو قفط وأصله في كلامهم قفطيم ومصريم ، ولما حاز مصر بن بيصر الديار المصرية ، كما ذكرنا في مصر ، وكثر ولده أقطع ابنه قفط بالصعيد الأعلى إلى أسوان في المشرق وابتنى مدينة قفط في وسط أعماله فسميت به ، وهي الآن وقف على العلوية من أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، وليس في ديار مصر ضيعة وقف ولا ملك لأحد غيرها إنما الجميع للسلطان إلا الحبس الجيوشي وهو ضياع وقرى وقفها أمير الجيوش بدر الجمالي ، قال : والغالب على معيشة أهلها التجارة والسفر إلى الهند وليست على ضفة النيل بل بينهما نحو الميل وساحلها يسمى بقطر ، وبينها وبين قوص نحو الفرسخ ، وفيها أسواق ، وأهلها أصحاب ثروة ، وحولها مزارع وبساتين كثيرة فيها النخل والأترج والليمون ، والجبل عليها مطلّ ، وإليها ينسب الوزير الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي ، أصلهم قديما من أرض الكوفة انتقلوا إليها فأقاموا بها ثم انتقل فأقام بحلب وولي الوزارة لصاحبها الملك العزيز ابن الملك الظاهر غازي ابن أيوب ، وهو الآن بها ، وأبوه الأشرف ولي عدة ولايات منها البيت المقدس وانتقل إلى اليمن فهو إلى الآن به في حياة ، وأخوه مؤيد الدين إبراهيم بحلب أيضا ، وكلهم كتّاب علماء فضلاء لهم تصانيف وأشعار وآداب وذكاء وفطنة وفضل غزير.
القُفُّ : بالضم ، والتشديد ، والقف : ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا ، وقال ابن شميل : القف حجارة غاصّ بعضها ببعض مترادف بعضها إلى بعض حمر لا يخالطها من اللين والسهولة شيء : وهو جبل غير أنه ليس بطويل في السماء فيه إشراف على ما حوله وما أشرف منه على الأرض حجارة تحت تلك الحجارة أيضا حجارة ، قال : ولا تلقى قفّا إلا وفيه حجارة متعلقة عظام مثل الإبل البروك وأعظم وصغار ، قال : ورب قفّ حجارته فنادير أمثال البيوت ، قال : ويكون في القف رياض وقيعان ، فالروضة حينئذ من القف الذي هي فيه ولو ذهبت تحفر فيها لغلبتك كثرة حجارتها ، وإذا رأيتها رأيتها طينا وهي تنبت وتعشب وإنما قف القفاف حجارتها ، قال الأزهري : وقفاف الصمان بهذه الصفة ، وهي بلاد عريضة واسعة فيها رياض وقيعان وسلقان كثيرة ، وإذا أخصبت ربعت العرب جميعا بكثرة مراتعها ، وهي من حزون نجد ، والقف : علم لواد من أودية المدينة عليه مال لأهلها ، وأنشد الأصمعي لتماضر