فسميت له بالرومية ، فقال : والله لكأنها قنّسرون ، فسميت قنسرين ، ثم مضى حتى بلغ الدرب فكان أول من جاوز الدرب من المسلمين ، فهذا الخبر يدل على أن قنسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة العبسي فشبهه به ، وقد روي في خبر مشهور عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : أوحى الله تعالى إليّ أيّ هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك ، المدينة أو البحرين أو قنسرين ، وهي كورة بالشام منها حلب ، وكانت قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص بقرب العواصم ، وبعض يدخل قنسرين في العواصم ، وما زالت عامرة آهلة إلى أن كانت سنة ٣٥١ ، وغلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع ما كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد ، فطائفة عبرت الفرات وطائفة نقلها سيف الدولة بن حمدان إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها فليس بها اليوم إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان وفريضة صغيرة ، وقال بعضهم : كان خراب قنسرين في سنة ٣٥٥ قبل موت سيف الدولة بأشهر ، كان قد خرج إليها ملك الروم وعجز سيف الدولة عن لقائه فأمال عنه فجاء إلى قنسرين وخرّبها وأحرق مساجدها ولم تعمر بعد ذلك ، وحاضر قنسرين بلدة باقية إلى الآن ، ذكرت في موضعها ، وقال المدائني : خرج أعرابي من طيّء إلى الشام إلى بني عمّ له يطلب صلتهم فلم يعطوه طائلا وعرضوا عليه الفرض فأبى ثم قدم قنسرين فأعطوه شيئا قليلا وقالوا تفترض ، فقال :
أقمنا بقنسرين ستة أشهر |
|
ونصفا من الشهر الذي هو سابع |
فقال ابن هيفاء : دع البدو وافترض ، |
|
فقلت له : إني إلى الله راجع |
يؤمّون بي موقان أو يفرضون بي |
|
إلى الرّيّ لا يسمع بذلك سامع |
ألا حبّذا مبدى هشام إذا بدا |
|
لارفاق زيد أو دعته البرادع |
وحلّت جنوب الأبرقين إلى اللوى |
|
إلى حيث سارت بالهبير الدوافع |
ثم خرج من الشام إلى العراق فركب الفرات فخاف أهوالها فقال :
وما زال صرف الدهر حتى رأيتني |
|
على سفن وسط الفرات بنا تجري |
يصير بنا صار ويجذف جاذف ، |
|
وما منهما إلّا مخوف على غدري |
ثم أتى الكوفة وطلب من قومه فلم يصل إلى ما يريد فرجع إلى البادية فقالوا : أطلت الغيبة فما أفدت؟ فقال :
رجعنا سالمين كما بدأنا ، |
|
وما خابت غنيمة سالمينا |
وينسب إلى قنسرين جماعة ، أثبتهم في الحديث الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم بن الفرداج الحميري اليحصبي القنسريني المعروف ببرداعس ، سكن حلب ثم قدم دمشق وحدث بها عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي ويوسف بن سعيد ابن مسلم وهلال بن أبي العلاء الرّقّي وأبي زرعة الدمشقي وخلق كثير سواهم ، روى عنه عثمان بن خرزاذ ، وهو من شيوخه ، وعبد الله بن عمر بن أيوب بن الحبّال وعبد الوهاب الكلابي وأبو الخير أحمد بن علي الحافظ وأبو بكر بن المقري وغيرهم ، سئل عنه الدار قطني فقال ضعيف ، وقال ابن زيد : مات سنة ٣٢٨.