أجمة عظيمة وغيضة لا يشقها الحيّات من تشابك أشجارها ، وقال : إنما اخترت هذا الموضع لبعده من البحر لئلا تطرقها مراكب الروم فتهلكها وهي في وسط البلاد ، ثم أمر أصحابه بالبناء فقالوا : هذه غياض كثيرة السباع والهوام فنخاف على أنفسنا هنا ، وكان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان في عسكره من الصحابة وكانوا ثمانية عشر ونادى : أيتها الحشرات والسباع نحن أصحاب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فارحلوا عنّا فإنّا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه ، فنظر الناس يومئذ إلى أمر هائل ، كان السبع يحمل أشباله والذئب يحمل أجراءه والحيّة تحمل أولادها وهم خارجون أسرابا أسرابا فحمل ذلك كثيرا من البربر على الإسلام ، ثم اختطّ دارا للإمارة واختطّ الناس حوله وأقاموا بعد ذلك أربعين عاما لا يرون فيها حيّة ولا عقربا ، واختطّ جامعها فتحير في قبلته فبقي مهموما فبات ليلة فسمع قائلا يقول : في غد ادخل الجامع فإنك تسمع تكبيرا فاتبعه فأيّ موضع انقطع الصوت فهناك القبلة التي رضيها الله للمسلمين بهذه الأرض ، فلما أصبح سمع الصوت ووضع القبلة واقتدى بها بقية المساجد وعمّر الناس المدينة فاستقامت في سنة ٥٥ للهجرة ، وقد ذكرت بقية خبر عقبة ومقتله في كتابي المسمّى بالمبدإ والمآل ، وكان مقتله في سنة ٦٣ بعد أن فتح جميع بلاد المغرب ، وينسب إلى القيروان قيروانيّ وقيرويّ ، فمن جملة من ينسب إليها قيروانيّ : محمد بن أبي بكر عتيق محمد بن أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبيد الله التميمي القيرواني المتكلم الثغري المعروف بابن أبي كدية ، درس علم الأصول بالقيروان على أبي عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني وعلى غيره ، وكان يذكر أنه سمع أبا عبد الله القضاعي بمصر ، قرأ عليه نصر الله بن محمد بصور وكان يقرئ الكلام في النظامية ببغداد وأقام بالعراق إلى أن مات ، وكان صلبا في الاعتقاد ، ومات ببغداد في ثامن عشر ذي الحجّة سنة ٥١٢ ودفن مع أبي الحسن الأشعري في تربته بمشرعة الروايا خارج الكرخ.
قَيْسارِيّةُ : بالفتح ثم السكون ، وسين مهملة ، وبعد الألف راء ثم ياء مشددة : بلد على ساحل بحر الشام تعدّ في أعمال فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة أيام ، وكانت قديما من أعيان أمهات المدن واسعة الرّقعة طيبة البقعة كثيرة الخير والأهل وأما الآن فليست كذلك وهي بالقرى أشبه منها بالمدن. وقيسارية أيضا : مدينة كبيرة عظيمة في بلاد الروم وهي كرسيّ ملك بني سلجوق ملوك الروم أولاد قليج أرسلان وبها موضع يقولون إنه حبس محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب وجامع أبي محمد البطّال وفيه الحمّام الذي ذكروا أن بليناس الحكيم عمله للملك قيصر يحمى بسراج ، وينسب إليها قيسرانيّ على غير قياس ، قال بطليموس في كتاب الملحة : طولها سبع وستون درجة وعشرون دقيقة ، وعرضها إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة ، في آخر الإقليم الخامس ، طالعها اثنتا عشرة درجة من التّوأم ، لها سرّة الجوزاء كاملة والسماك الأعزل وذات الكرسي ، وهي المغروسة تحت سبع عشرة درجة من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها مثلها من الحمل ، بيت عاقبتها مثلها من الميزان ، قال صاحب الزيج : قيسارية طولها سبع وخمسون درجة ونصف ، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وربع ، وفي كتاب دمشق عن يزيد بن سمرة : أنبأ الحكيم بن عبد الرحمن بن أبي العصماء الخثعمي الفرعي وكان ممن شهد قيسارية قال : حاصرها معاوية سبع سنين إلا أشهرا ومقاتلة الروم