قبيحا ، ولكان (١) حسنا وفي علمنا بقبحه دلالة على أنه لا يزيد عليه ؛ ولأنه جار مجرى أروش الجنايات ، وقيم المتلفات كما تقدم تحقيقه ، فكما أن ذلك لا يكون إلا بمقدارها من غير زيادة ولا نقصان كذلك هذا. فثبت بذلك ما ذكرناه ، وبذلك يثبت الموضع الثالث ، وهو في مقدار العوض.
وأما الموضع الرابع : وهو في أن الله تعالى ينتصف للمظلومين من الظالمين فهذا هو الذي نعتقده. والذي يدل على ذلك : العقل والكتاب والسنة والإجماع. أما العقل فهو أن الله تعالى مكن الظالمين من المظلومين وخلى بينهم مع أن الكل عبيده ، وفي دار مملكته ، وكل ذلك حسن ؛ لأنا قد بيّنّا أن أفعاله كلها حسنة فيجب أن ينتصف للمظلومين من الظالمين وإلا كان التمكين قبيحا ، وهو تعالى لا يفعل القبيح. وأما الكتاب فقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : ٤٧] ، وقوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) [التكوير : ٥] ، ولا فائدة في حشرها إلا توفير أعواضها عليها لأنها ليست من أهل الثواب فتثاب ولا من أهل العقاب فتعاقب. إلى غير ذلك من الآيات.
وأما السنة فقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله ينتصف للجمّا من ذات القرنين» (٢) ، ويروى : «للجمّا من القرناء». وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا كان يوم القيامة
__________________
(١) في (ب) وكان.
(٢) أخرج مسلم ٤ / ١٩٩٧ ، والترمذي ٢٤٢٠ بلفظ : لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاه الجلحاء من الشاة القرناء. وأحمد ٣ / ٢٨٩ رقم ٨٧٦٤ بلفظ : إن الله يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء ، وحتى الذرة من الذرة.