ذلك ففي تمام الخبر ما يهدم ما ادّعوه من الفضل ؛ فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتاه جبريل عليهالسلام وأمره بالخروج ليصلي بهم فتمسّح وتوضّأ ، وخرج يتهادى بين عليّ والفضل بن العباس وقدماه تخطّان في الأرض حتى دخل المسجد (١).
وروي أنه لمّا سمع قراءة أبي بكر ، وعرف أنّ ذلك من عائشة أنكر عليها ، وقال : «إنّكنّ صويحبات يوسف». ثم لمّا وصل المسجد نحّى أبا بكر عن القبلة وصلّى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالناس وأزاح أبا بكر عن المحراب. فلو سلمنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر عائشة بتقديمه في الصلاة ؛ فقد روينا وروى المخالفون لنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخّر أبا بكر عن المحراب ؛ فيجب أن يكون ذلك نقصا لأبي بكر وليس بفضل ، ولئن كان التقديم تولية ؛ فالتأخير له أعظم عزل. فأما ما ادّعاه بعضهم من أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان متقدما على أبي بكر ، وأبو بكر صفّ وحده متقدم (٢) على الناس ، فلو صح فهو غير دليل على الإمامة إنّما مثله مثل الصفّ الأول في الصلاة ، وحكمه حكمهم ، وهذا مما لا يختص به أبو بكر دون سائر صفوف المؤمنين المتقدمة في الصلاة.
وأمّا قولهم : إنه كان يرفع صوته بالتكبير في الصلاة ليسمع الناس فليس بدليل على الفضل أيضا ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حال ضعفه وعلته أقوى من قويّهم في حال شدته وصحته ، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى رفع أبي بكر صوته بالتكبير.
وبعد فقد نهى الله عن رفع الاصوات فوق صوت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد أتى أبو بكر بالمنهيّ عنه وذلك نقص فيه وليس بفضل. وتصديق ذلك ما رواه الإمام
__________________
(١) ما يقارب ذلك في طبقات ابن سعد ٢ / ٢١٨. والبخاري من رقم ٦٣٣ إلى ٦٥١.
(٢) في (ب) ، (ج) : صفّا وحده متقدما ؛ والنصب على أنه خبر كان ، وأبو بكر اسمها ، وحذفت لدلالة الأولى عليها ، والله أعلم ، المحقق.