الناصر عليهالسلام في كتاب البساط ؛ فإنه روى أنّ أبا بكر وعمر لما استشارهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيمن يرأّس على بني تميم من وفدهم ـ اختلفا واختصما حتى علت أصواتهما فحظر الله رفع الصوت عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى كان عمر بعد ذلك إذا حدّثه بشيء كان كالسرار من خفض صوته (١). فإن قيل : ومتى نهى الله عن رفع الصوت فوق صوت النبي؟ قلنا : قال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢]. وبعد فلو سلّمنا لهم تسليم جدل أن أبا بكر صلّى برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبالمسلمين ـ لما كان ذلك دليلا على الإمامة ؛ لأن إمامة الصلاة ليست من الإمامة العامّة في شيء ، ولا صلاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خلف أبي بكر تدل على الإمامة العامّة أيضا ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى في صحّته خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة من الصبح ، وصلّى خلف عتّاب بن أسيد وهو أميره على مكة والمتولي للقضاء من جهته فيها. ولم يكن في ذلك حجة على إمامتهما ، مع أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعزلهما عن الصلاة ، وقد عزل أبا بكر عن الصلاة. وبعد فقد ولى على الصلاة من لا تصحّ إمامته عندنا وعندهم ، فإنّه استعمل في غزوة أحد ابن أمّ مكتوم على المدينة ليصلي بالناس وهو أعمى (٢).
وهكذا أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمرا بن العاص على المسلمين في غزاة (٣) ذات
__________________
(١) في (ب) : الصوت. أخرجه في البساط ص ٥٦. والبخاري ٤ / ١٨٣٣ رقم ٤٥٦٤.
(٢) سنن أبي داود ١ / ٣٩٨ رقم ٥٩٥.
(٣) في (ب) ، (ج) : غزوة.