لنفسه فيما هو فيه مخط ، وهذا داء مستحكم لا يزول أبدا ، ولا يكون لصاحب البدعة توبة ما دام معتقدا لصحة ما هو عليه (١). وقد مات على ذلك الطّبق الأكثر ، قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٢) [الكهف : ١٠٣ ـ ١٠٤]. وعلى هذا قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أعوذ بالله من ذنب لا أستغفر الله منه» ، قيل : يا رسول الله ويكون هذا؟ قال : «نعم أقوام في آخر الزمان يبتدعون البدع ، يدينون الله بها ، لا يستغفرون الله منها حتى يموتوا». وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله حجر التوبة عن كلّ صاحب بدعة» (٣). وإنما يتوب من هذه حاله متى تغير اعتقاده ، وعرف خطأه ، فأما في حال اعتقاده لصحة ما هو عليه فلا يتوب.
ومنها : استحكام الذنب وكثرة اللهج به ، والاعتياد له من دون تخلّل طاعة ، ولا توبة ، قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا
__________________
(١) قال أبو هاشم فيمن دعا غيره إلى الضلال فقبله ، أنه مع التوبة يلزمه أن يعرفه بطلان ما دعاه إليه ؛ إن ظن أن ذلك يؤثر ؛ لأنه المختص بأن أضربه ، فإذا علم أو ظن صحة إزالة ذلك لزمه ، فأما إن لم يظن ، فسبيله سبيل سائر الناس إذا أرادوا النهي عن هذا المنكر. ينظر المغني ١٤ / ٣٣.
(٢) وروى الطبري في تفسيره مج ٩ ج ١٦ ص ٤٣ ، والقرطبي ١١ / ٤٤ وغيرهما : أن ابن الكوّاء سأل عليّا عليهالسلام عن الأخسرين أعمالا. فقال : أنت وأصحابك. وكان ابن الكواء من الخوارج.
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط ٤ / ٢٨٠ رقم ٤٢٠٢ بلفظ : إن الله حجب التوبة .. الحديث. وابن ماجه ١ / ١٩ رقم ٤٩ بلفظ : لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا صدقة ولا حجّا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين ، وقال في رقم ٥٠ : أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته.