وتصبروا (١) ، وبين أن يقول : ولمّا يعلم الله منكم الجهاد والصبر ، بل هما سواء ، لأنّ علم الله تعالى بالجهاد هاهنا عبارة عن حدوث الجهاد ، وعلم الله بالصبر عبارة عن حدوث الصبر نفسه ؛ فمعنى حصول علمه بهما هو حصولهما ؛ لأنهما لا يحصلان إذا حصلا إلا بعلم الله ، فسواء قولك : يكون كذا إن علم الله منك الجهاد والصبر ، وقولك : إن جاهدت وصبرت.
وكذلك قوله : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) [البقرة : ١٤٣] ، معناه ليتميز المتّبع من المنقلب ؛ لأنه إذا اتبع هذا وانقلب هذا علمه الله كائنا ، وإن كان قبل ذلك عالما بما سيكون من ذلك ؛ لا أنه لا يعلم كون هذا متّبعا وهذا منقلبا إلا بعد وجود الاتباع والانقلاب منهما ، فسقط تعلّق المخالف بذلك في حدوث العلم ، وصح ووضح أنه إنما علّقه به إخبارا عن حدوث الفعل المعلّق به العلم. وكذلك قوله تعالى : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) [سبأ : ٢١] ، يجب حمله على هذا المعنى فقط ، من حيث إنّ كون (٢) سلطانه عليهم لا يقتضي علمه بالمؤمن والكافر ؛ لأنه ليس بسبب له ولا بعلة موجبة (٣) ، وإنما يقتضي ذلك من حيث ما ذكرناه (٤) ، وهو أنّ بدعوته إياهم يتميّز المؤمن من الكافر ، والمخلص من المرتاب ، فيعلم الله المؤمن حاصلا منه الإيمان والكافر حاصلا منه الكفر ، وإن كان عالما قبل ذلك بما يكون منهما ،
__________________
(١) في الأصل تجاهد وتصبر وهو مخالف للسياق ، ولذلك آثرنا اعتماد نسخة (ب) ، بإثبات واو الجماعة.
(٢) في (ب) : أن يكون.
(٣) في (ب) : توجبه.
(٤) في (ب) و (ج) و (د) من حيث ذكرناه.