إلا أنه لا يجوز أن يعلمه مؤمنا وهو لم يؤمن بعد ، كما لا يجوز أن يعلمه أسود إلا بعد كونه أسود ، وهذا التفسير مستمر على ما بيناه أوّلا.
وكذلك قوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] احتجوا لقولهم بأنّ (١) حدوث العلم كان مع حدوث التخفيف ، فكما أنّ التّخفيف حدث الآن فكذلك القول في العلم.
والجواب : أنّ ظاهر اللفظ لا يقتضي ما ادّعوه ؛ لأنّ الواو قد تكون عطفا ، وتكون ابتدائية ، وتكون حالا ، إلى غير ذلك. وليست في هذا الموضع بعطف ؛ لأنها لو كانت عطفا لوجب أن يكون العلم وجد بعد التخفيف عند من يقول : إنّ الواو في العطف تقتضي الترتيب ، أو تقتضي الجمع عند من يقول : إنها لا تقتضيه ، وليس ذلك بقول لأحد ، فسقط قولهم. وعلى أنّ المعلوم أنه تعالى أراد أنّ التخفيف حدث بعد العلم بأنّ فيهم ضعفا ، فإذا صح هذا فالآية توجب أن يكون التخفيف حادثا ، وليست توجب حدوث العلم ، ويكون إنما أوجب التخفيف لأجل حدوث الضعف ، لا لأجل حدوث العلم ؛ لأنّ الضعف لو كان قبل ذلك حادثا لوجب أن يكون العلم به حاصلا ، ولوجب أن يخفّف قبل ذلك [الوقت] (٢) ، فلما فسد ذلك صح أن الضعف حدث الآن ، فإن التخفيف إنما وجد عقيب حدوث الضعف ، وأن العلم بذلك غير حادث ، فإنما علقه على ما بيناه من حيث لا يجوز أن يعلم الضعف ولمّا يحصل ، وإنما يعلم الضعف موجودا عند وجوده على ما بيناه.
ولا يقدح ذلك في كونه عالما بأن الضعف سيوجد ويحصل ولا ينافيه ، لأنه لا ذكر له في الخطاب ، ولا يفهم من صريحه ولا من معناه ولا من إشارته ولا مفهومه ولا من فحواه.
__________________
(١) في (ب) بقولهم أنّ.
(٢) الوقت : تعليقة في (ب).