في الجو وانعقاد السحاب الماطر من غير وصول بخار إليه ، وصيرورة الماء هواء عند إسخانه ، وصيرورة الماء أرضا كما يعقد أهل الحيل المياه الجارية أحجارا صلبة ، وصيرورة الأرض ماء كما يتخذون مياها حارة ويحلون فيها أجسادا صلبة حجرية حتى تصير مياها جارية.
قال : فالنار حارة يابسة شفافة متحركة بالتبعية لها طبقة واحدة وقوة على إحالة المركب إليها.
أقول : لما فرغ من الأحكام المشتركة بين العناصر شرع في البحث عن الكيفيات المختصة بكل عنصر عنصر وبدأ بالنار وذكر من أحكامها ستة :
الأول : أنها حارة والحس يدل على حرارة النار الموجودة عندنا ، وأما النار البسيطة التي هي الفلك الأثير فإنها كذلك لوجود الطبيعة خالية عن العائق ولبساطتها فإن الحرارة موجودة في النار التي عندنا مع امتزاجها بالضد فكيف بالنار الصرفة.
الثاني : أنها يابسة وهو معلوم بالحس أيضا إن عني باليبوسة ما لا يلتصق بغيره ، أما إن عني بها ما يعسر تشكله بالأشكال القريبة فالنار ليست يابسة بهذا المعنى.
الثالث : أنها شفافة وإلا لحجبت الثوابت عن الأبصار ، ولأن النار كلما كانت أقرب إلى الشفافية كانت أقوى كما في أصول الشعل.
الرابع : أنها متحركة بالتبعية وهو حكم ظني لأنهم لما رأوا الشهب متحركة حكموا بحركة كرة النار ثم طلبوا العلة فقالوا إن كل جزء من الفلك تعين مكانا لجزء من النار فإذا انتقل ذلك الجزء انتقل المتمكن فيه كالساكن في السفينة.
وهذا ضعيف لأن الشهب لا تتحرك إلى جهة واحدة بل قد يكون إلى الشمال تارة وإلى الجنوب أخرى وما ذكروه من العلة فهو بعيد وإلا لزم حركة كرة الهواء والماء والأرض مع أن الفلك بسيط لا جزء له ولو فرض له أجزاء لكانت متساوية فكيف يصح اختلافها في كون بعضها مكانا لبعض أجزاء النار البسيطة والبعض الآخر مكانا للآخر.
الخامس : أنها ذات طبقة واحدة وذلك لقوتها على إحالة ما يمازجها فلا يوجد في مكانها غيرها