الفصل الرابع
في الجواهر المجردة
أما العقل فلم يثبت دليل على امتناعه :
أقول : لما فرغ من البحث عن الجواهر المقارنة شرع في البحث عن الجواهر المجردة ولبعدها عن الحس أخرها عن البحث عن المقارنات وفي هذا الفصل مسائل :
المسألة الأولى
في العقول المجردة
(واعلم) أن جماعة من المتكلمين نفوا هذه الجواهر واحتجوا بأنه لو كان هاهنا موجود ليس بجسم ولا جسماني لكان مشاركا لواجب الوجود في هذا الوصف فيكون مشاركا له في ذاته. وهذا الكلام سخيف لأن الاشتراك في الصفات السلبية لا يقتضي الاشتراك في الذوات فإن كل بسيطين يشتركان في سلب ما عداهما عنهما مع انتفاء الشركة بينهما في الذات ، بل الاشتراك في الصفات الثبوتية لا يقتضي اشتراك الذوات لأن الأشياء المختلفة قد يلزمها لازم واحد فإذا ثبت ذلك لم يلزم من كون هذه الجواهر المجردة مشاركة للواجب تعالى في وصف التجرد وهو سلبي مشاركتها له في الحقيقة فلهذا لم يجزم المصنف ـ رحمهالله ـ بنفي هذه الجواهر المجردة.
قال : وأدلة وجوده مدخولة كقولهم الواحد لا يصدر عنه أمران ، ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده ، ولا لما انتفت صلاحية التأثير عنه لأن المؤثر هنا مختار.