البحث عن أحكامها شرع في تعريفها وقد عرفها الحكماء بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة لأن الجسم إذا أخذ بمعنى المادة كانت النفس المنضمة إليه الذي يحصل من اجتماعهما نبات أو حيوان أو إنسان صورة ، وإذا أخذ بمعنى الجنس كانت كمالا لأن طبيعة الجنس ناقصة قبل الفصل وقد عرفوا النفس بالكمال دون الصورة لأن النفس الإنسانية غير حالة في البدن فليست صورة له وهي كمال له واعلم أن الكمال منه أول وهو الذي يتنوع به الشيء كالفصول ، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة والعارضة فالنفس من القسم الأول وهي كمال لجسم طبيعي غير صناعي كالسرير وغيره ، وليست كمالا لكل طبيعي حتى البسائط بل هي كمال لجسم طبيعي آلي تصدر عنه أفعاله بواسطة الآلات ومعناه كونه ذا آلات يصدر عنه بتوسطها وغير توسطها ما يصدر من أفاعيل الحياة التي هي التغذي والنمو والتوليد والإدراك والحركة الإرادية والنطق.
المسألة الثالثة
في أن النفس الناطقة ليست هي المزاج
قال : وهي مغايرة لما هي شرط فيه لاستحالة الدور.
أقول : ذهب المحققون إلى أن النفس الناطقة مغايرة للمزاج وعليه ثلاثة أوجه الأول ما ذكر الأوائل أن النفس الناطقة شرط في حصول المزاج لأن المزاج إنما يحصل من اجتماع العناصر المتضادة فعلة ذلك الاجتماع يجب أن تكون متقدمة عليه وكذا شرط الاجتماع وهو النفس الناطقة فلا تكون هي المزاج المتأخر عن الاجتماع لاستحالة الدور. وفي هذا الوجه نظر لأنهم عللوا حدوث النفس بالاستعداد الحاصل من المزاج فكيف جعلوا الآن حدوث الاجتماع من النفس. وللشيخ هنا كلام طويل ليس هذا موضع ذكره.