بها استخلاف ما ذهب بما يأتي وذلك إنما يكون بالغذاء. ثم لما كان البدن أول خلقته محتاجا إلى زيادة في مقداره على ما يناسب في أقطاره بأجسام تنضم إليه من خارج وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة يمكنها بها تحصيل جواهر قابلة للتشبه بالبدن تنضم إليه على تناسب في أقطاره هي النامية. ثم لما كان البدن ينقطع ويعدم واقتضت عناية الله تعالى الاستحفاظ بهذا النوع وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة تحيل بعض الجواهر المستعدة لقبول الصورة الإنسانية إلى تلك الصورة وهي القوة المولدة فكانت النفس ذات قوى ثلاث الغاذية والنامية والمولدة وهذه القوى مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات فالغاذية هي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي ليخلف بدل ما يتحلل ، والنامية هي التي تزيد في أقطار الجسم على التناسب الطبيعي ليبلغ إلى تمام النشوء ، والمولدة هي التي تفيد المني بعد استحالته في الرحم الصور والقوى والأعراض واعلم أن إسناد التصوير إلى هذه القوة باطل وسيأتي بيانه إن شاء الله.
قال : وأخرى أخص يحصل بها الإدراك إما للجزئي أو للكلي.
أقول : للنفس أيضا قوى أخص من الأولى هي الإدراك إما للجزئي وهو الإحساس ، وإما للكلي وهو التعقل فالإحساس مشترك بينه وبين الحيوان خاصة فهو أخص من القوى الأولى المشتركة بينها وبين النبات ، والتعقل أخص من الإحساس لأنه لا يحصل للحيوان بل للإنسان.
قال : فللغاذية الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة.
أقول : القوة الغاذية يتوقف فعلها على أربع قوى ليتم الاغتذاء وهي الجاذبة للغذاء ، والماسكة له لتهضمه الهاضمة ، والهاضمة وهي التي تحيل الغذاء الذي جذبته الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى قوام يتهيأ لأن تجعله الغاذية جزءا بالفعل من المغتذي ، والدافعة للفضلات.