لشخص ومنافرا لآخر.
قال : وليست اللذة خروجا عن الحالة الطبيعية لا غير.
أقول : نقل عن محمد بن زكريا الطبيب أن اللذة هي الخروج عن الحالة الطبيعية لأنها إنما تعرض بانفعال يعرض للحاسة يقتضيه تبدل حال وهو غير جيد فإنه أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ولهذا نلتذ بصورة نشاهدها من غير سابقة إبصار لها حتى لا تجعل اللذة عبارة عن الخلاص عن ألم الشوق.
قال : وقد يستند الألم إلى التفرق.
أقول : للألم سببان : أحدهما تفرق الاتصال فإن مقطوع اليد يحس بالألم بسبب تفرق اتصالها عن البدن وقد نازع في ذلك بعض المتأخرين بأن التفرق عدمي فلا يكون علة للوجودي وفيه نظر لأن التفرق ليس عدما محضا فجاز التعليل به على أن التفرق إنما كان علة بالعرض فإن العلة بالذات إنما هي سوء المزاج. الثاني سوء المزاج المختلف لأن الحمى توجب الألم ولا تفرق هناك وإنما قلنا المختلف لأن سوء المزاج المتفق لا يقتضي التألم.
قال : وكل منهما حسي وعقلي هو أقوى.
أقول : يريد قسمة الألم واللذة بالنسبة إلى الحس والعقل وذلك لأن جماعة أنكروا العقلي منهما والحق خلافه فإنا نلتذ بالمعارف وهي لذات عقلية لا تعلق للحس بها ونتألم بفقدانها بل هذه اللذة أقوى من اللذة الحسية ولهذا كثيرا ما تترك اللذة الحسية لأجل اللذة الوهمية لا العقلية فكيف العقلية وأيضا فإن الحس إنما يدرك ظواهر الأجسام ولا تعلق له بالأمور الكلية والعقل يدرك باطن الشيء ويميز بين الذاتيات والعوارض ويفرق بين الجنس والفصل فيكون إدراكه أتم فتكون اللذة فيه أقوى.