قال : وحركة أجزاء المغتذي في جميع الأقطار على التناسب.
أقول : هذا هو الاعتبار الثاني وهو الحركة في الكم باعتبار النمو (واعلم) أن النامي يزداد جسمه بسبب اتصال جسم آخر به وتلك الزيادة ليست مطلقا بل إذا داخلت أجزاء المزيد عليه وتشبهت به فضد هذه الحالة الذبول وقد يشتبه هذا بالسمن والفرق بينهما أن الواقف في النمو قد يسمن كما أن المتزايد في النمو قد يهزل وذلك لأن الزيادة إذا أحدثت المنافذ في الأصل ودخلت فيها وتشبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذاك هو النمو والشيخ قد يسمن لأن أجزاءه الأصلية قد جفت وصلبت فلا يقوى المغتذي على تفريقها والنفوذ فيها فلا تتحرك أجزاؤه الأصلية إلى الزيادة فلا يكون ناميا وإن تحرك لحمه إلى الزيادة فيكون ذلك في الحقيقة نموا في اللحم لكن المسمى باسم النمو إنما هو حركة الأعضاء الأصلية.
قال : وفي الكيف للاستحالة المحسوسة مع الجزم ببطلان الكمون والورود لتكذيب الحس لهما.
أقول : لما فرغ من البحث عن الحركة في الكم شرع في الحركة في الكيف أعني الاستحالة واستدل على ذلك بالحس فإنه يقضي بصيرورة الماء البارد حارا على التدريج وبالعكس وكذا في الألوان وغيرها من الكيفيات المحسوسة.
واعلم أن الآراء لم تتفق على هذا فإن جماعة من القدماء أنكروا الاستحالة وافترقوا في الاعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين : أحدهما ذهب إلى أن في الماء أجزاء نارية كامنة فيه فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك الأجزاء وظهرت للحس ، والثاني ذهب إلى أن الأجزاء النارية ترد عليه من خارج وتداخله فيحس منه بالحرارة.
والقولان باطلان فإن الحس يكذبهما أما الأول فلأن الأجزاء الكامنة يجب الإحساس بها عند مداخلة اليد لجميع أجزاء الماء وتفرقها قبل ورود الحرارة عليه ولما لم يكن كذلك دل على بطلان الكمون.