امتناع رؤيته تعالى والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم تجز رؤيته عندهم والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده تصح رؤيته والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب وجوده يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه فينتفي الرؤية عنه بالضرورة لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك ويكون مقابلا أو في حكم المقابل ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.
قال : وسؤال موسى لقومه.
أقول : لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج الأشاعرة وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها الأول أن موسى عليهالسلام سأل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.
والجواب أن السؤال كان من موسى عليهالسلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، وقوله(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا).
قال : والنظر لا يدل على الرؤية مع قبوله التأويل.
أقول : تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليه فقال(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقي واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.
والجواب المنع من إرادة هذا المجاز فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره وهو أن يقال إن إلى واحد الآلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة. أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها (لا يقال) الانتظار سبب الغم والآية سيقت