لبيان النعم (لأنا نقول) سياق الآية يدل على تقدم حال لأهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بدليل قوله تعالى(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فلا يبقى للظن معنى وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سببا للغم بل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت كما أن انتظار العقاب بعد الإنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.
قال : وتعليق الرؤية على استقرار الجبل المتحرك لا يدل على الإمكان.
أقول : هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليهالسلام على استقرار الجبل والاستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. والجواب أنه تعالى علق الرؤية على الاستقرار لا مطلقا بل على استقرار الجبل حال حركته واستقرار الجبل حال الحركة محال فلا يدل على إمكان المعلق.
قال : واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.
أقول : هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدميا فلم يبق إلا الوجود فكل موجود تصح رؤيته والله تعالى موجود.
وهذا الدليل ضعيف جدا لوجوه : الأول المنع من رؤية الجسم بل المرئي هو اللون والضوء لا غير. الثاني لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض. الثالث لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي لأن جنس صحة الرؤية