تقم القيامة ولم يحشر الناس ولم يحضر عيسى عليهالسلام ، ولكن لما كان القول الحق متعاليا عن الزمان كان ما سيوجد كأن قد وجد وكان نسبة الخطاب إليه وهو في ذلك الوقت كنسبته إليه ، وهو في هذا الوقت ومن أمكنه أن يرفع الزمان من صميم قلبه هان عليه إدراك المعاني العقلية وسهل عليه معرفة تعلق العلم الأزلي بالمعلومات والأمر الأزلي بالمأمورات وعلم أن الاختلاف راجع إلى العبارات والتعبيرات انظر كيف نشير إلى لمحات الحقائق على لسان الفريقين وإن كانا بمعزل عن دقائق الطريقين وأنى لهم تصور نزول الروحانيات وتشخصها بالجسمانيات كما أخبر التنزيل عنه (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] ، وكيف يستقيم على مذهب المتكلم تمثل الروح بالشخص البشري إبان تعدم الروح ويوجد الشخص وليس ذلك من التمثل في شيء أو بأن يستعمل الروح شخصا موجودا بشريا ولم يكن ذلك تمثلا أيضا بل تناسخا وإذا لم يمكنه تقرير التمثل والتشكل أعني تمثل الروحاني بالجسماني كيف يمكنه تصور الأمر الأزلي بتمثل اللسان العربي تارة ، واللسان السرياني طورا ، حتى يجب أن يقال كلام الله كما يجب أن يقال : «هذا جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم» (١) ثم لباس جبريل يتبدل ولا تتبدل حقيقته التي هو بها جبريل ولباس الكلام الأزلي يتبدل ولا تتبدل حقيقته التي هو بها كلام وأمر ونهي واحد أزلي (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] ، حق في حق المشرك المستجير و (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [الأعراف : ١٤٤] صدق في حق الكليم المستنير فبين الكلامين فرق ما بين القدم والفرق بين السمعين صرف ما بين الولاية والصرف ولو كان الكلام في الموضعين حروفا منظومة أصواتا مقطعة بطل الاصطفاء على الناس وحصل التساوي واستماع الناس والخناس ، ولكان حكم الكليم في خطابه يا موسى حكم الطريد في طرده يا فرعون ولكان الذي لا يسمع من موسى أسعد حالا من موسى إذ سمع من الشجرة التي هي جماد وفي الموضعين الكلام حروف وأصوات.
قالت المعتزلة : إذا أثبتم كلاما أزليا فإما أن تحكموا بأن كلام الله أمر ونهي
__________________
(١) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (١ / ٢١٠) ، والبيهقي في الكبرى (١ / ٤٦٦) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٤٠) ، وعزاه للبزار وقال : فيه الضحاك بن نبراس ، قال البزار : ليس به بأس ، وضعفه الجمهور.